عملت إدارة دونالد ترامب السابقة على إقناع بعض الحكومات العربية خاصة منها دول المشرق العربي بضرورة خلق مشروع جديد للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وتنفيدا لهذا المسار التطبيعي الجديد، قامت المؤسسة الامريكية سواء من الخارجية أو نظام المخابرات CIA بعقد لقاءات مع حكام هذه الدول بغرض ضمهم لمشروع التطبيع الجديد او ماسمي”اتفاقيات ابراهام”.
و قد حرص الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب شخصيا على وضع الملف على طاولة المشاورات، كما تم تكليف الخارجية الامريكية، بوضع مشروع “اتفاقيات ابراهام” ضمن الاولويات السياسية .
ويكمن هذا المخطط الصهيوني الجديد ، من خلال التسويق لفكرة واحدة ” السلام مقابل التطبيع أو بعبارة أخرى التطبيع مع الكيان الصهيوني يقابله سلم وسلام”
ويهدف تمييع صورة الاستعمار الصهيوني للاراضي الفلسطينية، فقد استعملت مخابر الدراسات الجانب الديني، والذي يمثل عنوانا جذابا وخاصة بالنسبة لدول وشعوب المنطقة العربية الإسلامية.
ويعد ان كان التعديل الجيني مقتصرا على بذور النباتات، نشهد اليوم على التحول لمستوى جديد في التعديل الجيني من خلال ولادة دين سماوي معدل .
هذه النسخة المعدلة للدين الاسلامي، وعن طريق التلاعب بالمفاهيم، خلصت سريعا ان “اليهودي المتصهين المستعمر لارض ليست له” والمسلم، و المسيحي،و البوذي، كلهم شركاء في دين واحد الا وهو “الدين الابراهيمي”( نسبة لسيدنا ابراهيم) .
وسرعان ما تحول” الدين الابراهيمي” الى مادة دسمة لمراكز البحوث و الدراسات الامريكية، والتي اعتبرت ان افضل طريقة لتسجيد هذه الفكرة يمر عبر اطلاق طاولة حوار تجمع حولها كل الديانات.
وهنا يمكن الاشارة الى ان هذه المراكز البحثية الامريكية ( والتي لم يعد يخفى على احد انها تمثل اذرع للمخابرات )، خلصت إلى ما يلي: “وجوب الاستثمار في كل الخلافات الاصولية، الدينية والسياسية داخل الأنظمة العربية والعمل على تأزيمها من أجل تقديم التطبيع كحل شامل لحالة عدم السلام والاستقرار داخل هذه الأنظمة”
علاقة الفوضى الخلاقة و الربيع العربي بموجة التطبيع:
انه وعلى كثرة الاختلاف في التسميات لوصف الدمار الذي حل بالوطن الإسلامي والعربي الا اننا ارتأينا إلى استعمال مصطلح الفوضى الخلاقة.
مفهوم الفوضى الخلاقة والذي اتضح جليا اليوم انه جزء من الاستراتيجية الصهيونية والتي عملت على اغراق المنطقة العربية و المغاربية في مستنقع للدماء.
فالدوائر الاستعمارية العالمية وضعت كل ثقلها لإنجاح هذا البرنامج من خلال تحريك لوبياتها المالية، السياسية وحتى العسكرية، و الإعلامية منها، فالدمار الذي شهدته كل من العراق، سوريا، لبنان، ليبيا خير دليل على ذلك والتي يمكن ان تطال وبشكل كبير في المستقبل القريب القادم المملكة المغربية و التي تشهد فوضى خلاقة جد ناعمة نتيجة الادارة السياسية الفاسدة والتي وجدت في البلاط الملكي حليفا لها.
العناوين الاساسية للفوضى الخلاقة
يمكن تحديدها فيما يلي:
-معارضة مفتعلة مسيرة من الخارج.
-خلق أزمات على اساس عرقي، أثني وسياسي.
-محاولة فرض توجهات تحث مسمى توريد الديمقراطية والقيم الإنسانية(حقوق الإنسان، حرية الصحافة وحرية التعبير، حرية العبادات… الخ)
-نشر العدالة والتنمية وتقسيم الثروة.
وقد استعملت هذه العنوانين الجذابة ، فيما بعد من قبل القوى الاستعمارية كذرائع من أجل إعطاء الشرعية الدولية لأي تدخل في الشؤون الداخلية للدول الرافضة لفكرة التطبيع.
وعليه يمكن القول ان مسار الفوضى الخلاقة التي شهدها و يشهدها وسوف يشهدها عالمنا العربي والاسلامي ما هو إلا تمهيد لعملية التطبيع، والذي يمكن أن يأخذ أشكال متعددة منها ماهو سياسي، اقتصادي، ثقافي، ايديولجي وعسكري.
منطقة الشرق الأوسط و التطبيع:
الشرق الاوسط كان مسرحا للعديد من الصراعات و النزاعات سواء كانت على اساس عرقي، أثني، عقائدي أو ايديولجي.
كثرة الصراعات في منطقة الشرق الاوسط يضاف لها وفرة في الثرواث الباطنية ، هذا ما جعل من هذه الرقعة الجغرافية من العالم صيد شهي للطامعين.
وقد عمل الكيان الصهيوني من خلال مخطاطته الاستيطانية في هذه المنطقة من اجل كسب رهان التطبيع و القضاء نهائيا على فكرة الدولة الفلسطينية.
وفي هذا السياق تم استغلال والى ابعد الحدود الصراع السني الشيعي والذي هو حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها.
هذا الصراع الطائفي، اخد ابعادا سياسية و اعلامية كبيرة والتي تم استثمارها من اجل ابقاء الصراع مشتعلا بين مكونات منطقة جغرافية واحدة.
فالتحالف الإماراتي السعودي ضد البعبع الشيعي الإيراني اليمني ماهو الا ثمار عمل استخبارتي صهيوني الغرض منه هو الالهاء و الانغماس في أزمات عرضية، ما فسح المجال و أبواب المناورة امام اللوبي الصهيوني للعمل من اجل تاجيج الوضع أكثر أكثر وتقديم التطبيع كحل أمثل لمواجهة التهديدات وإقرار السلام في المنطقة.
وكانت المناورة الاستراتجية واضحة المعالم من خلال”خلق الأزمة ورعايتها، إدارة الأزمة وتقديم الحلول و التوصيات” بمعنى آخر التحكم في الاولويات والأهداف لهذه الدول مما ينتج عنه عدم استقلالية النظام السياسي.
وهذا الأمر أثر وسيأثر بشكل كبير على عودة اللحمة العربية خاصة فيما يتعلق ببعض المسائل المصيرية.
وخير دليل على هذه الوضعية البائسة هو التخاذل العربي الذي اصبحت تعرفه القضية الفلسطينية .
وهنا يمكن الاشارة الى الاستثناء الجزائري والذي عمل جاهدا خلال احتضانه القمة العربية الاخيرة على لململة اكبر قدر ممكن من الدعم تجاه القضية الفلسطينية، بالإضافة الى احياء موضوع القضية السورية و التي اصبحت تعيش عزلة منقطعة النظير.
التغيرات الجيوسياسية العالمية وتأثيرها على عملية التطبيع:
من جهة لقد ساهمت الحرب الروسية الاوكرانية، في تسريع “ريتم” التغييرات الجيوسياسية والجيواقتصادية .
ومن جهة اخرى فقد تمكنت هذه الازمة من دحض بعض الايديولجيات والمسلمات السياسية ، حيث ان الواقع اليوم جعل من فكرة نظام القطبية الاحادية موضعا للشك.
نفس احساس الشك قد تملك بعض الأنظمة العربية و التي كانت سابقا تسبح في فلك المنطق الواحد.
وقد دفع هذا الشك تلك الدول الى اعادة التفكير في شكل تحالفاتها الاستراتيجية والعسكرية.
فالتبعية العمياء لهذا النظام الغربي ستصبح في يوم من الايام إرث زائف وزائل.
و المتتبع للأحداث والظواهر السياسية الآنية، والتي نتجت عن الحرب الروسية الأوكرانية ،سيمكن له ان يلاحظ تباطؤ في وتيرة عمليات التطبيع.
هذا التباطؤ في التطبيع جزء منه مرتبط بالتغيير الذي شهده الكيان الصهيوني من الناحية السياسية، لكن السبب الاهم في هذا التباطؤ يكمن في ان الدوائر الاستعمارية الغربية (والتي تعتبر الداعم الرئيسي للصهيونية ) قد وجهت جهذها الاكبر في الوقت الراهن نحو جبهة الشرق والتي تضم كل من الدب الروسي والتنين الصيني، أو كما اطلق عليها المفكر الروسي ديوغين مفهوم الفكر و “العقيدة الاوراسية” و التي تعد تهديد وجودي لنظام القطب الواحد و مخططات الصهيونية العالمية.
خلاصة القول يمكن لهذه الحرب ان تمثل نعمة للمنطقة العربية وذلك من أجل إعادة هيكلة نفسها واغتنام الفرصة من هذا المخاض الجيوسياسي الذي تشهده الخارطة العالمية.