شكلت نهاية الحرب العالمية الثانية وظهور الولايات المتحدة الأمريكية كقوة اقتصادية و عسكرية عظمى, فرصة من اجل تعزيز الهيمنة الامريكية السياسية على العالم, عن طريق الهيمنة المالية من خلال فرض الدولار الأمريكي كعملة عالمية متحكمة في كل التعاملات التجارية والاقتصادية.
وكان سنة 1973 تاريخا فاصلا، حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق وزير خارجتها الأسبق هنري كيسنجر بعقد اتفاق مع المملكة العربية السعودية, والقاضي بفرض الدولار كعملة وحيدة وحصرية في التعاملات الاقتصادية، التجارية وخاصة الطاقوية او ما أصبح فيما بعد يسمى “البترودولار”.
و منذ ذلك التاريخ, يمكن القول اننتا دخلنا عصر هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد الدولي, فواشنطن اعتمدت على مؤسسات “Breton Woods” و “Fond monétaire international” من أجل أحكام القبضة المالية والسياسية على كل دول العالم دون استثناء.
وعلى شهدت عل اثر هذا , الساحة المالية العالمية, محاولات التخلص من هيمنة الدولار , فسعت بعض الدول كروسيا، الصين، تركيا، الاتحاد الأوروبي، الهند، اليابان العراق,… إلى التخلص من الاستعمار المالي الأمريكي لكن هل نجحت ؟
ماذا يعني الدولار لأمريكا:
الدولار هو ببساطة السياسة الأمريكية، هذه العملة كان لها دور كبير في تعزيز السيطرة على العالم.فكل مخطط يمس هذه العملة يعتبر تهديد مباشر أو اعلان حرب على أمريكا، ولنا من الأمثلة ما يكفي على استنتاجاتنا والتي نذكر منها :
- عراق صدام حسين الذي صرح في وقت سابق بضرورة الخروج من نظام التعامل بالدولار الأمريكي، الأمر الذي كان كفيلا بإعلان الحرب على العراق وتدمير هذه الدولة العربية.
- ليبيا معمر القذافي الذي كان مصمم على خلق عملة أفريقية موحدة والتي تكون عملة تعاملات. ماذا حدث للقذافي وليبيا؟ طبعا خراب أمني رهيب.
- روسيا فلاديمير بوتين التي تطمح في إقرار نظام عالمي جديد معارض لهيمنة الدولار الأمريكي، ماذا يحصل اليوم؟ عقوبات مالية واقتصادية شديدة على روسيا ورجال الإعمال الروس على ضوء الأزمة الاوكرانية.
- إيران هي الأخرى لها نية معلنة على معارضة التعامل بالدولار الأمريكي و تقاسمها نفس الرؤية مع دول البريكس
ماذا حصل؟ عقوبات اقتصادية و طاقوية على إيران مع أفتعال أزمة البرنامج النووي الإيراني ومشكلة تدني الحريات الأساسية. - الصين والتي تقدم نفسها اليوم على أنها قوة اقتصادية عالمية تضاهي الولايات المتحدة الأمريكية كيف لا وهي تحاول اليوم جاهدة على عرض اليوان الصيني كعملة تعامل جديدة مإذا حدث؟ افتعال أزمات داخلية مثل أزمة أقلية ايغور و إحياء المشكل السياسي مع طايوان.
- المملكة العربية السعودية لمحمد بن سلمان التي غيرت من جلدها السياسي و الدبلوماسي و محاولاتها الجريئة للانفتاح على أعداء أمريكا الازليين كروسيا والصين. ماذا حدث؟ اختلاق أزمات داخلية الابتزاز عن طريق قضية خاجقشجي و إثارة أزمة مع إيران واليمن والتي تكللت في ضرب الاقتصاد السعودي مثل الاعتداء الإرهابي على ارامكو و الإفلاس المقصود لبعض البنوك الأمريكية التي تحتوي على سندات المملكة العربية السعودية
وهذ ما يدعونا للقول ان ، الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة على الدخول في حرب نووية من أجل الحفاظ على هيمنتها
وبقاء الدولار كعملة عالمية متحكمة في عصب التعاملات العالمية هو جوهر وقلب السياسة الأمريكية.
فالاقتصاد الأمريكي يعتمد بشكل رئيسي على الواردات المالية المستثمرين الأجانب الذين يشاركون بصفة كبيرة جدا في نمو الميزان التجاري الأمريكي.
مستقبل الدولار على ضوء الهيمنة الاقتصادية الصينية :
يجب التذكير هنا على أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش حالة من الكساد والتضخم بشدة لم يسبق لها تاريخ. وهذا ما انعكس بالسلب على تراجع اسهم بعض المؤسسات الاقتصادية الكبيرة في أمريكا.
وهذا ما انتج حالة من الخوف عند المستثمرين الأجانب وخاصة الخليجيين والأوروبيين, حيث جاءت عمليات الإفلاس البنكي لتزيد حالة الريبة شدة.
إضافة إلى تسجيل تراجع دور مؤسسات “breton Woods” و FMI في فرض منطق الدولار الأمريكي على الساحة الاقتصادية العالمية.
التحليل الاقتصادي لمكانة الدولار الأمريكي في الساحة العالمية, يشير الى ان العملة الخضراء, قد أصبحت مصدر للانكماش الاقتصادي العالمي ومرادفا للأزمات المالية التي ضربت اقتصادات الدول العظمى.
فما يعيشه اليوم الاتحاد الأوروبي من كساد وتضخم مالي هو بسبب الضغوطات المفروضة على الدولار الأمريكي من قبل بعض الاقتصادات القوية الناشئة والتي تنضوي تحت منظومة البريكس.
وقد كانت الأزمة الروسية الأوكرانية والعقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي , كفيلة بإعطائنا صورة واضحة على تراجع قوة الدولار ومنه الهيمنة الأمريكية على السوق الاقتصادية العالمية.
فعلى الرغم من قساوة العقوبات، استطاعت روسيا وهذا بحسب التقارير الاقتصادية والمالية الأوروبية من تجاوزها كما انها جعلت من هذه الإجراءات نقطة تحول في الاقتصاد الروسي.
عملية التهديم وإعادة الهيكلة
وعليه يمكن الآن ان نقول بأن الدولار الأمريكي يعيش لحظات عصيبة وأمريكا و لوبيات المال الصهيونية سوف تفعل ما بوسعها من أجل ابتكار منظومة أخرى لإعادة هيمنة الدولار وهذا عن طريق عملية التهديم وإعادة الهيكلة.
لكن حتمية الوضع الراهن توحي بأن تنويع التعاملات عن طريق عملات أخرى هو من بين الحلول المطروحة من أجل تجب الانهيار الذي سيشكله انخفاض قيمة الدولار في السوق.
هذا التحليل الاستشرافي ينطبق على عملة اليورو والفرنك CFA والتي تشهد هي الأخرى حالة من الانهيار المزمن. فهذا الانهيار يفرض على الدول الانخراط في تكتلات اقتصادية جديدة مثل “البريكس” .
اما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فمشروع إقامة تكتل جديد وارد جدا ويتضح لنا جليا من خلال انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فربما جاء التكتل المستقبلي على النحو الآتي:” الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، كندا، أستراليا، اليابان”