لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية دائما وابدا عراب السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، و على الرغم من بعض المحاولات المحتشمة لكل من ألمانيا وإيطاليا وحتى فرنسا خلال فترة محددة من الزمن إلا أن السطوة الأمريكية على القارة العجوز كانت دوما قوية وواضحة.
الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إلى جمهورية الصين الشعبية والتي دامت ثلاث أيام , كان ظاهرها زيارة دولة لكن في الحقيقة , جاءت هذه الرحلة كتكليف بمهمة من طرف الولايات المتحدة الامريكية للرئيس “ايمانويل ماكرون”من اجل ان يلعب دور الوسيط في إخماد الأزمة الروسية الاوكرانية.
فماكرون قبل بدأ زيارته الى بكين رفقة رئيسة المندوبية الأوروبية “ارسولا فان دير لاين” أجرى محادثات مقتضبة مع الرئيس الأمريكي “جو بايدن” من أجل رسم خارطة وفحوى المحادثات المزمع فتحها مع الرئيس الصيني “شي جنبيغ بينغ”.
لكن يبدوا ان حصيلة هذه الزيارة لا توحي بأنها كانت مثمرة, حيث أظهرت الصين انها لا تنوي تغيير جلدها السياسي الذي يهدف إلى رسم نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
وورقة الاقتصاد التي عول على لعبها “إيمانويل ماكرون” بصفته مبعوث فوق العادة للولايات المتحدة الأمريكية, لم تكن كافية لدفع الصين على التخلي عن أهدافها الاستراتيجية.
وقد كان تصريح “شي جنبيغ بينغ” مؤشرا قويا على ذلك, فقد اكد الرئيس الصيني ان موقف بلاده من الحرب في أوكرانيا هو حيادي ولا علاقة له بالشراكة الاستراتيجية مع روسيا، لأن بكين تعمل منذ عقد من الزمن على ترسيم نظام عالمي جديد يكون كفيل لإرساء السلم والسلام الدوليين
الأمر الذي جعل من مبعوث واشنطن يقف موضع سكون معبرا بذلك عن فشله الأولي في إقناع الصين بالتخلي عن استراتيجيتها والانصهار في المخطط الأمريكي وحلف الناتو.
اما عن “فان دير لاين فهي” فبدورها حاولت لعب ورقة الترهيب وتارة الإغراء اتجاه الطرف الصيني, وهذا من خلال إشهارها ورقة حقوق الإنسان (أقلية الايغور المسلمة) وكذا العقوبات الاقتصادية ضد الصين في حالة ما إذا أقدمت الصين على دعم روسيا بالسلاح.
لكن لاقت المحاولات الاوربية نفس مصير رفيقها الفرنسي, حيث اظهر الاتحاد الأوروبي فشله هو كذلك, في لعب دور الوسيط من أجل فك طلاسم الأزمة الأوكرانية.
وقد كان التلويح بورقة الاقتصاد في وجه التنين الصيني, بمثابة انتحار , حيث ان الأوروبيين في الوقت الحالي هم الرهينة في يد النظام الاقتصادي الصيني ليس العكس.
وعليه فإن التهديد بفك الشراكة الصينوأوروبية معناه الانهيار الحتمي للمجمع الأوروبي وهذا هو مربط الفرس والهدف الذي تصبو الصين و حلفاءها إلى تحقيقه.
لعبة الشطرنج قد قاربت على الانتهاء, وأي محاولة في تحريك أي حجر سيؤدي فقط الى تسريع اعلان الخسارة.