سلاح المناخ العقلي: الربيع الذي تصنعه اميركيا والغرب

كم يشبه الشتاء الشتاء .. ماء وأمطار وغيوم سود .. وكم يشبه الصيف الصيف .. بحر وشمس وضوء .. وكم يشبه الربيع الربيع .. زهر وأرض خضراء وسنونو .. ولكن كما تشبه الفصول الفصول فان فصول السياسة تشبه بعضها .. وربيع العرب مثل ربيع ايران ومثل ربيع أوكرانيا وربيع فنزويلا وربيع كوبا .. وأنت لا تحتاج الى ان تتمعن في الفصول السياسية طويلا كي تعرف كم أنها متشابهة .. ولكن بدل طيور السنونو والزهور واللون الأخضر تجد الغرب وطائراته وتجد الحرب وتجد الكذب وتجد الضخ الإعلامي والغرف السوداء وبقع الدم .. وترى كيف ان الشقيق يطعن في ظهر الشقيق .. وأن الأمة تتصرف مثل أفعى تعض نفسها عندما تكون جريحة ..
ربما باركنا الله بنعمة معرفة فصول السياسة رغم ان تلك المعرفة معمدة بالدم والقهر .. فليس مرورنا بمرحلة الربيع كان شرا كله .. بل اننا تعلمنا وصرنا أفضل الأمم في معرفة طقوس الربيع السياسي وعرفنا ان ليس كل مايحلق هو طيور سنونو بل دبابير وخفافيش .. انه الربيع الذي تصنعه اميركيا والغرب مثل سلاح الطقس الذي تروج له وتسميه ( سلاح هارب).. فهي تثير العواصف والامطار والزوابع والرياح في غير فصولها ودون أي انذار .. كما أثارت الثورات في غير فصولها .. فالثورات الشعبية لها فصولها وتمر بشتاء وخريف وربيع وصيف وفلسفة وتثوير .. ولكن ثورات هذا الزمان تأتي بلا مقدمات وبلا أسباب وتحدث حيث لا يجب ان تكون .. وتغيب حيث يجب ألا تغيب ..

فأنت تتوقع ان الثورة نضجت ظروفها وفصولها في بلد وجغرافيا واكتملت شروطها تجد انها مجهضة وتولد ميتة .. كما هي الحال في المستعمرات الاوروبية الخاضعة للهيمنة الامريكية التي يجب ان تنطلق فيها فصول الثورات لاستعادة ألق اوروبة وعصرها الذهبي واستقلال القرار الاوروبي عن اوروبة الجديدة التي تخضع لاستعمار الشركات ورأس المال الاحتكاري وتلحق باميريكا وبنوكها ..

فاذا افلست بنوك اميريكا افلست كل اوروبة وعانت شعوبها .. واذا قررت اميريكا ان تبرد اوروبة التحف الاوروبيون السماء والبرد ودفعوا الفواتير وهم صاغرون ولايقدرون على ان ينتقلوا الى فصل الربيع والثورات السياسية .. واذا قررت اميريا ان تخاف اوروبة من أشباح روسيا تدفقت اوروبة الى حظيرة الناتو مثل الماشية المذعورة من عواء الذئب ..

وعلى العكس فان الدول التي لا يوجد منطقا للثورة فيها .. ولم تكتمل دورات الفصول الاقتصادية والسياسية والفكرية فيها فأنها تمر بعواصف هوجاء وكأن المناخ السياسي يخضع لبرنامج (هارب) السياسي .. كما حدث في الربيع العربي .. حيث ان مناخ الثورات لم يكن ناضجا ولا توجد له مبررات كافية لا في سورية ولا في مصر ولا في ليبيا ولا في اليمن .. بل كانت كل فصول الثورات يجب ان تنهض في دول مثل الأردن والمغرب ولبنان والعراق والخليج حيث الاستقلال الوطني يتعرض للقوارض السياسية والمعاهدات الخبيثة .. او ان الفقر و لإفاقة يجب ان ينضجا ظروف التغير المناخي السياسي ونهوض الثورات ..
ولكن الربيع العربي او لنقل ما يسمى الثورات العربية نهضت حيث لا يجب ان تنهض .. وخمدت او صمتت حيث ان يجب ان تكون في منتهى الضجيج والفوران والجيشان ..
مايجمع فكرة تثوير الفصول هو ان هناك تلاعبا بجزء من الشعب وعواطفه .. واثارة الأعاصير العقلية وعواصف الشتاء الذهني ليتهدم بناء العقل وبنيته النفسية .. أي عملية تطويع وتجنيد لجزء من الشعب للقتال نيابة عن اميريكا عبر اثارة سلاح المناخ العقلي او الطقس العقلي حيث تثار الأعاصير في الروح والضمير عن الحرية والديمقراطية والديكتاتورية .. ومن ثم يتم ادخال الدعم الغربي بالاعلام والسلاح لتفجير كل مايبقى .. وتحشر الامم المتحدة والمنطمات الدولية التي ترتدي زي الانسانية نفسها لتكمل صناعة الربيع السياسي الامريكي .. لذلك تجد ان الثورة السورية قامت على تثوير جزء من الناس بالاوهام عن الحرية والديمقراطية والثورة الاسلامية .. رغم ان من كان يموت هم سوريون بأيدي سوريين .. ثم تدخلت اميريكا والغرب بالسلاح والمنظمات الإرهابية .. ثم تم الزج بالأمم المتحدة في المعركة ..

أوكرانيا تتمة لفصول الربيع المصطنع

في اوكراينا نفس الشيء .. فأوكرانيا بالنسبة لروسيا وتاريخها هي جزء من روسيا لزمن طويل وجزء من السكان فيها هم روس .. وهناك تداخل غريب باللغة السلافية والديانة الارثوذكسية بين الروس والاوكران .. وكل الكتاب الكبار عبر التاريخ الاوكراني كتبوا باللغة الروسية وليس بالأوكرانية .. ولكن الأمريكيين تسللوا من نافذة ضيقة كما تتسلل الجرذان عندما فتحوا ثقبا في المجتمع الاوكراني عام 2014 .. سموه ربيع كييف … وهو مطابق جدا لربيع سورية وثورتها لكنه تمكن بسرعة من الاستيلاء على السلطة في كييف .. وحقن الجماهير بالأيديولوجيا الجديدة وتم تجنيد أناس جدد أوكران في الثورة الجديدة حملت على كتفها المشروع الأمريكي ضد روسيا وأوكرانيا .. لكنهم سلافيون ضد سلافيين .. واوكران ضد أوكران .. وارثوذوكس ضد ارثوذوكس.. وكنيسة ضد الكنيسة .. وسلاح روسي ضد سلاح روسي .. ودبابة ت 72 ضد دباية ت 72 .. وطائرة الميغ ضد طائرة الميغ .. كما كان العرب في الربيع العربي ضد العرب .. والإسلام ضد الإسلام .. والمسلمين ضد المسلمين .. والفقراء ضد الفقراء .. والضحايا ضد الضحايا ..

انها نفس فلسفة القتال بدم الاخرين التي لم تتغير .. فكل الامبراطوريات القديمة انت تتوسع لانها تقوم بتجنيد أبناء البلاد المغزوة في جيوشها فتكبر قوتها وتقاتل بدم جديد ليس دمها .. ويموت الجنود الجدد في سبيل الامبراطورية الجيدية لانهم صاروا رعاياها .. كما فعلت الامبراطورية العثمانية التي كانت تجند ابناءنا في الشرق وتسوقهم الى معارمها حيث تبذل دمهم بسخاء فيموتون وتنتصر الامبراطورية وينتصر السلطان.. تتوسع املاكه واراضيه .. ويزيد جيشه عددا من ابناء المدن التي سقطت بيده بسبب دمائنا نحن ..

والبريطانيون قاتلوا الإمبراطورية العثمانية بأبناء المسلمين الذين أتوا بهم من الهند وباكستان .. وكانوا يقاتلون بهم في السودان .. وكذلك فرنسا كانت تأتي بالأفارقة ليقاتلوا في سورية ولبنان نيابة عنها .. وفي الحرب العالمية الثانية جندت فرنسا وبريطانيا كل أبناء الشعوب الفقيرة من الهند الى الجزائر لقتال المانيا التي هزمت بدماء المقاتلين الأجانب والمقاتلين الروس .. وفقدت المانيا 6 ملايين من أبنائها .. وتجد ان روسيا دفعت 27 مليون ضحية .. والجزائر عشرات الاف الضحايا لأن فرنسا جندتهم في حربها ضد المانيا

وكأن تحرير باريس من واجبات أبناء تلمسان ووهران .. والقتلى الهنود والباكستانيون في الحرب العالمية لاحصر لهم .. بينما فقدت بريطانيا في كل الحرب 300 ألف قتيل وكذلك اميريكا .. وفي حرب افغانستان مات العرب والمسلمون بعشرات الالاف .. ولم يمت امريكي واحد .. ولكن اميريكا انتصرت بدماء غيرها كعادة اي امبراطورية ..

ولم تتغير العقيدة الإمبراطورية اليوم .. ولايزال أبناء الشرق وأبناء العالم يموتون بسخاء من أجل غايات استعمارية أوروبية وهم لا قرار لهم في هذه الحروب .. بل متطوعون مجانيون .. ودم مجاني .. ولحم مجاني .. ومعاناة لا تعيشها اوروبة ..

ما يحدث في أوكرانيا هو ما حدث في سورية .. حرب كونية .. وحرب مناخ عقلي .. واثارة لأعاصير الطقس والشتاء الذهني حيث الغيوم السود والأنواء .. زالزوايع وحيث تنعدم الرؤية والاستقرار .. والطقس في عقل اوروبة غائم بلا شمس .. ويرد وثلج و لانار فيه .. و لادفء الثورات القديمة ..

اليوم صرنا نعرف سلاح الطقس الذي لا يقدر على التحكم بمناخ الطقس .. ولكنه سلاح المناخ العقلي حيث عقول الأمم تثار فيها الأعاصير .. فيتهدم المنطق والحس السليم والوطنية .. و لا تبقى سواء آثار العاصفة .. ونحن يجب منذ هذه التجربة يجب علينا ان نفهم ان المناخ في العقل أهم من المناخ في الجغرافيا .. وعلينا ان نكون على حذر من أي محاولة للتلاعب بطقس الروح وطقس الحب .. وطقس التسامح .. وطقس التحرير .. وطقس استئصال إسرائيل .. وهو الطقس الذي يشمس ويصبح دافئا مع كل موقف تحد .. وموقف إصرار مما عصفت الطائرات والصواريخ في السماء .. كي تثير أعاصير الشك والهزيمة ..

المناخ في عقلي لايزال صحوا .. وسماؤه لاتزال صافية .. والرؤية واضحة .. وأستطيع ان أرى عدوي وصديقي .. ويجب ان يكون عقل الجميع بعد هذه التجربة مع محاولة التلاعب بالمناخ العقلي .. عقلا عصيا على كل العواصف والأعاصير .. وأن تبقى الرؤية واضحة .. اين هوالعدو .. وأين هو الصديق ..

|بقلم نارام سرجون|

Exit mobile version