“داخل سوق الموضة الغامض في الجزائر”. تحث هذا العنوان تطرق مقال مفصل لموقع “Businessoffashion” الى واقع سوق الموضة في الجزائر.
يشير التقرير إلى أن الجزائر، على .الرغم من عزلتها الدولية سابقًا، أصبحت وجهة جذابة للعديد من العلامات التجارية الكبرى في مجال الموضة، خاصة في مركز باب الزوار التجاري. ومع ذلك، يواجه دخول هذه السوق تحديات عديدة، منها البنية التحتية غير الكافية لقطاع التجزئة، والبيروقراطية، ، بالإضافة إلى نزوح الطبقة الوسطى العليا.
وخلص كاتب المقال انه ورغم هذه التحديات، هناك طلب كبير على الموضة في الجزائر، حيث يفضل الشباب الأزياء الغربية في حياتهم اليومية، بينما تحظى الأزياء التقليدية بشعبية في المناسبات الخاصة. ويحاول المصممون المحليون سد الفجوة في السوق من خلال تقديم تصاميم تجمع بين الأصالة والحداثة.
كما أكد التقرير على أهمية التجارة الإلكترونية كقناة للوصول إلى المستهلكين الجزائريين، خاصة في ظل التحديات اللوجستية والجغرافية التي تواجه توزيع المنتجات في البلاد. ويدعو إلى ضرورة قيام الجزائر بإصلاحات اقتصادية وتجارية، مثل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، لتحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع الموضة وغيره.
المقال الأصلي مترجم الى العربية
على الرغم من كونها غامضة لمعظم قادة الأعمال الغربيين، فقد جذبت الجزائر العديد من العلامات التجارية الكبرى في مجال الموضة إلى شواطئها بعد فترة طويلة من العزلة الدولية. وللحصول على لمحة عن الفرص التجارية التي توجد في هذه الدولة الديناميكية الغنية بالهيدروكربونات، يتوجه عادة قادة العلامات التجارية مباشرة إلى مركز باب الزوار التجاري في العاصمة الجزائر.
تتواجد في باب الزوار علامة مانغو، حيث تمتلك هذه الشركة الإسبانية العملاقة للموضة السريعة متجرًا ثانيًا في البلاد عبر شريك الامتياز المحلي “MDS Textile”. كما يتواجد في المركز التجاري أيضًا متجر لعلامة زارا، على الرغم من أنها شهدت مؤخرًا بعض المشاكل التي أدت إلى إغلاق بعض متاجرها بشكل مؤقت.
وتقول عارضة الأزياء المقيمة في وهران، سارة مخلوفي: “لا أعتقد أن هذا يجب أن يؤدي إلى حالة من الذعر [بخصوص الحالة العامة للسوق]. فالموضة السريعة ستظل تُباع دائمًا في الجزائر. الطلب هنا هائل”.
وأفاد متحدث باسم زارا لموقع “BoF” في فبراير بأن متاجر العلامة التجارية في الجزائر من المتوقع أن تعود للافتتاح بمجرد حل التحديات التي جعلت من الصعب تجديد المخزون. بالإضافة إلى متجرها في الجزائر العاصمة، هناك متجر آخر في مدينة وهران في مركز “إس سينيا” التجاري، وثالث يعمل في “بارك مول” في مدينة سطيف الداخلية.
تدير شركة “إنديتكس”، المالكة أيضًا لعلامات تجارية مثل “بيرشكا” و”سترافاريوس” وغيرها، 19 متجرًا في الجزائر من خلال اتفاقية امتياز مع مجموعة “أزاديا” التي تتخذ من دبي مقرًا لها. كما وسعت الشركة وجودها التجاري ليشمل “حديقة سيتي مول” في العاصمة.
وأضافت مخلوفي: “حتى إذا قررت إنديتكس الانسحاب لأسباب خاصة بها، فإن ذلك سيفتح الفرص أمام مستثمرين جدد”، مشيرة إلى الحضور المحدود للعلامات التجارية العالمية في البلاد.
استوردت الجزائر في عام 2017 سلعًا من المنسوجات والملابس بقيمة 1.14 مليار دولار، وفقًا لبيانات “WITS” من البنك الدولي، حيث كانت الصين وتركيا من أبرز الدول المصدرة. هذا المبلغ يمثل ثلث قيمة الموضة المستوردة من قبل جارتها المغرب، الذي يمتلك عددًا أقل من السكان ولكنه يمتاز بصناعة موضة أكثر تكاملًا عالميًا وسوق تجزئة أكثر نضجًا.
يقول الدكتور ياسر مازا، الباحث في جامعة بن يوسف بن خدة في الجزائر، “لقد أبقت السياسات الاقتصادية غير الفعّالة الجزائر بطيئة، بينما تتطور جيراننا بسرعة. تخيلوا، بينما يحتل المغرب وتونس المرتبتين الثانية والرابعة على التوالي في القارة من حيث التصنيع، تأتي الجزائر في المركز الحادي عشر، حتى خلف السنغال الذي يحتل المركز السابع”.
ويضيف مازا: “أرى الأمر كحزمة واحدة. الموضة في المغرب وتونس تشهد ازدهارًا لأنهما أكثر تصنيعًا من الجزائر. لا يمكن أن نتوقع من الجزائر أن تنافس في حين أن المجتمع نفسه يفتقر للبنية التحتية والنظم البيئية اللازمة لذلك”.
البنية التحتية للتجزئة غير الكافية، خاصة المراكز التجارية من الفئة “A”، جعلت بعض العلامات التجارية العالمية تتردد في دخول السوق. ومع ذلك، دخلت بعض الشركات مثل العلامات التجارية الفرنسية (سيليو وأنطونيل) والتركية (LC Waikiki، DeFacto، ودانيال ريزوتو). واحدة من الشركات التي دخلت الجزائر مبكرًا كانت مجموعة “ميركور إنترناشيونال” التي تركز على إفريقيا، من خلال مشاريع مثل سلسلة City Sport التي تبيع ماركات مثل بوما، لاكوست، وأديداس.
وقد كانت علامة “سكيتشرز” الأمريكية متفوقة بشكل خاص في البلاد، حيث انتشرت متاجرها في العديد من المدن الجزائرية، بما في ذلك وهران، سطيف، قسنطينة، عنابة، بومرداس، وبليدة.
لكن بالإضافة إلى السوق الجماهيري، تواجه العلامات التجارية الراقية عقبات إضافية، بما في ذلك النزوح الأخير للطبقة الوسطى العليا والمستهلكين الأثرياء إلى الخارج. وفقًا لتقرير عن ثروة إفريقيا من قبل شركة “هنلي وشركاه”، انخفض عدد الأثرياء في الجزائر بنسبة 26% بين عامي 2012 و2022.
رغم النزوح، تحتل الجزائر المرتبة السابعة من حيث عدد الأثرياء في إفريقيا، حيث يُقدر عدد مليونيراتها بحوالي 2800. ومع ذلك، تظل الفجوة بين الأغنياء والفقراء كبيرة، ولا تزال العلامات التجارية الفاخرة نادرة، مما يدفع العديد من الجزائريين للسفر إلى مدن غرب أوروبا أو إسطنبول للتسوق خلال العطلات أو الأعمال.
وفيما يخص الموضة التقليدية، استفاد المصممون المحليون من سد الفجوة في السوق من خلال تقديم تصاميمهم الفاخرة. المصمم الجزائري سامير كرزابي يشير إلى أن “الشباب الجزائريين يظلون مرتبطين بالأزياء التقليدية في المناسبات الخاصة مثل عيد الفطر والأعراس، ولكن في حياتهم اليومية يفضلون الأزياء الغربية التي يجدونها أكثر وصولًا وديناميكية”.
تتفق المصممة ريم منيفي، مؤسسة دار Menouba Couture، مع الرأي القائل إن للجزائر إرثًا عريقًا في الموضة، إذ تقول: “موقع الجزائر في قلب حوض البحر الأبيض المتوسط جعلها مواكبة للموضة منذ القدم… لكن كفن وصناعة، تحتاج الموضة الجزائرية إلى الكثير من التطوير لتلحق بالركب.”
ويشدد المصمم سمير كرزابي على أهمية احترام العلامات التجارية لقيم المستهلك الجزائري، قائلاً: “يجب أن تعكس الموضة تقاليد وخصوصيات المجتمع، مع الحفاظ على الطابع العصري وسهولة الوصول، من أجل خلق ملابس أصيلة تحترم الهوية الثقافية.”
غير أن هذا لا يعني غياب التصاميم الجريئة. فالمصمم أمور ڨليّل، المعروف بمجموعاته التي “تثير ردود فعل”، كما يصفها، يوضح: “بشكل عام، يقدّر الجزائري الإبداعات الجريئة إذا كانت تحمل دلالة ثقافية أو تحية لرموز وطنية. هدفي هو الحفاظ على الأصالة مع احترام السياق الديني والثقافي المحلي، ما يسمح لي بالتنقل بين الحداثة والتقاليد.”
ورغم وفرة المواهب في قطاع الموضة المحلي، يبقى الإنتاج المحلي محدودًا مقارنة بالطلب داخل بلد يشكل المسلمون غالبيته. وتشير نِجاري، رائدة أعمال فرنسية من أصول جزائرية، إلى أن “الصناعة المحلية مجمدة بسبب الواردات المفرطة ونقص الإنتاج المحلي. نستورد نسبة كبيرة من المنتجات الأجنبية، بما في ذلك الأزياء الأوروبية الجاهزة والعبايات والحجابات.”
أطلقت نِجاري أسبوع الموضة الجزائري (Alger Fashion Week) عام 2011، وأقيم أول عرض له في ليون عام 2016، ثم انتقل لاحقًا إلى باريس. وتضيف: “حاول شخص ما في الجزائر تنظيم حدث مماثل عام 2015، لكنه فشل ولم يُستكمل.”
مجلتها الثانية Dzina، المخصصة للأزياء، تباع في الجزائر وبعض دول المهجر، وتقول: “نحن نوزع المجلة في مكتبة العالم الثالث بساحة الأمير عبد القادر كرمز للمقاومة، لأنه لم يعد هناك صحافة أزياء في الجزائر منذ الحراك.”
ويُعبّر ڨليّل بدوره عن أسفه لغياب الفعاليات والمنصات التي يمكن أن تدفع الصناعة إلى الأمام: “إطلاق أسابيع موضة جزائرية، ومدارس أزياء متخصصة، وحاضنات للمواهب الشابة، وشراكات مع مؤسسات الموضة العالمية… كلها وسائل ممكنة لإعادة هيكلة هذا القطاع.”
إلى أن يتحقق ذلك، سيواصل المصممون الجزائريون البحث عن الفرص في الخارج، مثل كرزابي الذي شارك بعرض أزياء في أسبوع الموضة في ميلانو قبل عامين.
وفي خلفية هذا المشهد، لا تزال الجزائر تواجه تحديات في بيئتها التجارية، رغم بعض التحولات الدبلوماسية والتجارية. ففي ظل الأزمة الأوكرانية وحاجة أوروبا لمصادر بديلة للطاقة، بدأت الجزائر تستقطب اهتمامًا متزايدًا. وكتب الباحث في Atlantic Council أندرو فاراند في عام 2022: “لطالما اعتُبرت الجزائر أكثر دول شمال إفريقيا انعزالًا وغموضًا، لكنها الآن أصبحت محط الأنظار.”
ومع استمرار التوترات مع المغرب وإسبانيا (بسبب ملف الصحراء الغربية)، وأزمة العلاقات مع فرنسا، إلا أن هناك بوادر لتقدم حذر في إعادة الجزائر إلى الساحة العالمية.
شدد الرئيس عبد المجيد تبون، منذ توليه الحكم في أواخر 2019، على تنويع الاقتصاد الجزائري كركيزة أساسية في رؤيته، وقد بدأت الصادرات غير النفطية في الارتفاع، وإن كانت انطلاقتها من قاعدة منخفضة.
ويقول الدكتور ياسر مازة: “الجزائر أحرزت بعض التقدم في البنية التحتية والتنمية الهيكلية. وإذا حافظت على هذا المسار، يمكنها تعويض الكثير مما فاتها خلال بضع سنوات. لكن لا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به. نأمل بصدق أن تكون أيام عدم الاستقرار السياسي قد ولّت.” ويضيف: “الخطوة التالية هي تحسين مناخ الأعمال، وهو أمر سيكون مفيدًا أيضًا لصناعة الموضة.”
لكن دخول السوق الجزائرية ما زال يتطلب تجاوز بيئة أعمال معقدة ونظامًا سياسيًا وتنظيميًا غامضًا. في عام 2023، احتلت الجزائر المرتبة 140 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. أما في تقرير سهولة ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي لعام 2019، فقد جاءت في المرتبة 157 من أصل 190 دولة.
في هذا السياق، أثارت محاولات الحكومة إصلاح قانون الاستثمار بعض الآمال لدى الشركات الأجنبية، لكن السؤال الأهم يبقى ما إذا كانت الجزائر ستنضم إلى منظمة التجارة العالمية (WTO)، وهو ما يعتبره البعض خطوة مفصلية قد تساعد في إنهاء العزلة الاقتصادية واستقطاب المستثمرين الأجانب، خصوصًا في قطاعات مثل الموضة.
في هذه الأثناء، تلجأ بعض العلامات العالمية إلى القنوات الرقمية لتقليل المخاطر واستكشاف السوق. وتقترح أيادي، وهي مستشارة في المجال، أن تبدأ العلامات عبر منصات التجارة الإلكترونية أو من خلال نموذج مشابه لما تقوم به العلامة الفرنسية Gémo.
على سبيل المثال، Jumia، وهي منصة تجارة إلكترونية تواجه تحديات على مستوى القارة، تنشط في السوق الجزائرية منذ سنوات، مستهدفة الشريحة الواسعة من المستهلكين.
ويؤكد أمور ڨليّل أن “النموذج الرقمي يبدو الأنسب حاليًا للسوق الجزائرية، بسبب نقص نقاط البيع وتضخّم الأسعار في بعض المراكز التجارية.”
وتضيف أيادي أن مساحة الجزائر الشاسعة تشكل سببًا إضافيًا للاستثمار في التجارة الإلكترونية: “الجزائر بلد ضخم، ويجب ضمان وصول واسع للجمهور.”
وبكل المقاييس، لم يعد ممكنًا تجاهل السوق الجزائرية. فكما كتب الباحث أندرو فاراند: “سنوات الجزائر في التواري خلف الكواليس قد انتهت، لكن إذا أرادت اقتناص هذه اللحظة، فلا بد لها من تسريع وتيرة التقدم.”