عادةً ما يتم الإعلان الرسمي عن الركود بعد أن يكون قد بدأ بالفعل. ففي الولايات المتحدة، تتولى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية (NBER) مهمة تحديد بداية الركود، بناءً على مؤشرات مثل النمو الاقتصادي وتراجع النشاط عبر مختلف القطاعات. لكن هل من الممكن أن يكون الاقتصاد الأمريكي قد دخل فعلاً في حالة ركود دون إعلان رسمي حتى الآن؟
يرى خبراء اقتصاديون أن ذلك احتمال قائم، مدفوعًا بالضبابية التي خلفتها رسوم ترامب الجمركية، والتي انعكست سلبًا على مزاج المستهلكين، وتسببت في تقلبات ملحوظة في الأسواق المالية.
المؤشر الأول هو تراجع ثقة المستهلكين بشكل حاد، حيث انخفض مؤشر جامعة ميشيغان في أبريل بنسبة 11% ليصل إلى 50.8، وهو مستوى أدنى مما سُجّل خلال أزمة 2008 وجائحة كوفيد-19. هذا الانخفاض يعكس قلقًا متزايدًا بشأن الأسعار والتوظيف والإنفاق. ويرجّح محللون أن يؤدي تراجع الطلب الاستهلاكي إلى تقليص الوظائف ورفع معدلات البطالة.
المؤشر الثاني هو اضطراب سوق السندات الأمريكية. فقد شهدت عائدات الخزانة تقلبات حادة بسبب فقدان الثقة في استقرار الاقتصاد، ما دفع بعض المستثمرين إلى تقليل انكشافهم على الدولار الأمريكي.
أما المؤشر الثالث، فهو انخفاض أسعار البنزين إلى ما دون (3 دولارات) للغالون، وهو ما يُفسّر غالبًا على أنه نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي عالميًا، وليس نتيجة لسياسات طاقوية ناجعة. ويرى محللون أن هذا الانخفاض لا يُبشّر بالخير، بل قد يكون إنذارًا بأن الطلب العام يتراجع بوتيرة مقلقة.
متد أثر الركود الأمريكي، حتى وإن لم يُعلن رسميًا بعد، إلى ما وراء الحدود. فبوصفه أكبر اقتصاد في العالم، تمثل الولايات المتحدة نحو 24.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ما يجعل أي تباطؤ فيها مدعاة للقلق الدولي. تشير التقديرات إلى أن تراجع النمو الأمريكي بنسبة 1% يمكن أن يخفض النمو العالمي بحوالي 0.3 إلى 0.4 نقطة مئوية، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
كما أن أكثر من 40% من صادرات المكسيك، و30% من صادرات فيتنام، و20% من صادرات الاتحاد الأوروبي، تتجه نحو السوق الأمريكية، ما يجعل هذه الاقتصادات عرضة مباشرة لأي انكماش في الطلب الأمريكي. على سبيل المثال، سجلت صادرات كوريا الجنوبية إلى أمريكا تراجعًا بنسبة 6.5% في الربع الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يُعزى جزئيًا إلى انخفاض الاستهلاك الأمريكي.
أما على مستوى أسعار السلع، فقد شهدت أسعار النفط تراجعًا إلى ما دون 70دولارًا للبرميل بعد أن كانت تلامس 90 دولارًا في مارس، وسط توقعات سلبية لمؤشر ارتفاع اسعار الذهب الاسود لسنة 2026.
وسط هذه المؤشرات، يبرز تساؤل مهم: هل دخلت الولايات المتحدة فعلًا في ركود اقتصادي جديد لم يُعلن عنه بعد؟
المصدر: VOX