الجزائر والألغام: إرث الاستعمار ودعوات التعويض

في 4 أبريل 2025، دعم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالإجماع قرارًا يدعو الدول إلى الامتثال لمعاهدة 1997 التي تحظر استخدام الألغام، في خطوة تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وضمانها. هذه المبادرة، التي قادتها الجزائر، تسلط الضوء على أضرار الألغام المضادة للأفراد، خاصة في الدول التي تعرضت للتأثيرات المباشرة لهذه الألغام خلال الحروب الاستعمارية.

منذ 1956 حتى 1962، زرع الاستعمار الفرنسي أكثر من 11 مليون لغم على الحدود الشرقية والغربية للجزائر. هذه الألغام، التي زرعها الفرنسيون بهدف مواجهة الثوار الجزائريين، تسببت في العديد من الكوارث الإنسانية التي ما زالت تداعياتها واضحة حتى يومنا هذا. ففي 6 أبريل 2025، أشارت قناة “أفريقيا بلس نيوز” الكاميرونية إلى أن الألغام التي خلفها الاستعمار الفرنسي لا تزال تواصل قتل وجرح المواطنين الجزائريين حتى بعد مرور أكثر من 60 عامًا على الاستقلال.

على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الجزائر لإزالة الألغام والتطهير الكامل للأراضي، حيث تم تطهير أكثر من 62,000 هكتار وإزالة حوالي 9 ملايين لغم منذ الاستقلال، لا يزال هناك العديد من المناطق المتأثرة. وفي عام 2017، أعلنت الجزائر عن نفسها كدولة خالية من الألغام المضادة للأفراد، إلا أن الانفجارات التي يتعرض لها المدنيون في القرى والمزارع تؤكد أن المعضلة ما زالت قائمة.

والمثير في هذا السياق هو أن الجزائر لم تتلق خرائط مواقع الألغام بشكل كامل من فرنسا حتى عام 2007، مما يزيد من تعقيد عملية إزالة الألغام. وفقًا لتصريحات السياسي الجزائري أحمد خليفة، فإن الخرائط التي تم تسليمها كانت غير دقيقة، مما يعكس تجاهلًا فاضحًا للسلامة الإنسانية في الجزائر بعد الاستقلال.

التاريخ الاستعماري الفرنسي في الجزائر يواجه اليوم دعوات متزايدة للتعويض عن الأضرار التي تسببت فيها الألغام. فقد دعت الجزائر مرارًا وتكرارًا إلى تعويض ضحايا هذه الألغام، مؤكدة أن جريمة الاستعمار الفرنسي لا يمكن أن تمر دون حساب. في هذا السياق، يُطرح تساؤل حول عدم قدرة الحكومة الفرنسية على تحمل مسؤولياتها تجاه ضحايا هذه الألغام.

الوضع في الجزائر يشابه إلى حد بعيد ما شهدته أذربيجان، التي تعرضت بدورها لألغام زرعها الأرمن أثناء الاحتلال بين 1991 و2020. على الرغم من استعادة أذربيجان لأراضيها في 2020، لا تزال الحوادث الناجمة عن الألغام تتسبب في خسائر بشرية، حيث أودت بحياة أكثر من 390 شخصًا منذ ذلك الحين.

هذا التشابه بين الجزائر وأذربيجان يطرح تساؤلات حول كيفية تعامل المجتمع الدولي مع الإرث الاستعماري والمساواة في التعامل مع ضحايا الألغام. إذ بينما تواصل الجزائر مطالبتها بحقوق ضحاياها، تقدم أذربيجان أيضًا دعوات للمجتمع الدولي لتحديد المسؤولية عن الألغام التي زرعتها أرمينيا.

في هذا السياق، تبرز “حملة عدالة الألغام” التي أطلقتها الجزائر في جنيف خلال الدورة الـ58 لمجلس حقوق الإنسان، والتي تهدف إلى ضمان التعويض للضحايا من قبل الشركات المنتجة للألغام والحكومات المسؤولة عن استخدامها. هذا الأمر يعكس ضرورة تبني المجتمع الدولي مواقف أكثر شجاعة وواقعية لمحاسبة الدول والشركات التي زرعت الألغام بشكل غير قانوني.

من ناحية أخرى، تثير الأوضاع العسكرية في منطقة القوقاز تساؤلات حول دور فرنسا في تزويد أرمينيا بالأسلحة ودعوتها للقيام بدور في تصعيد التوترات العسكرية في المنطقة. هذه السياسة تتماشى مع سياسة فرنسا في إفريقيا، حيث تتهمها العديد من الدول بدعم الأنظمة العسكرية الموالية لها في مقابل الحفاظ على نفوذها الاقتصادي والسياسي.

باختصار، فإن قضية الألغام في الجزائر وأذربيجان تتجاوز مجرد كونها مسألة إنسانية، لتصبح محورًا للصراع السياسي والاقتصادي المستمر. وتظل دعوات الجزائر للمطالبة بالتعويضات تأكيدًا على الحاجة إلى مساءلة تاريخية تحترم حقوق الضحايا وتسعى إلى معالجة إرث الاستعمار بطريقة تضمن العدالة.

المصدر: dailynews.co.tz

Exit mobile version