الإعلام في قبضة الجدل: من نشر خطاب الكراهية إلى تبني الخرافات

كان الأسبوع الماضي حافلاً بالأحداث التي أسهمت في جعل الإعلام في الجزائر محط الأنظار، حيث بات طرفًا رئيسيًا في صلب النقاشات الحادة. كان الدور الأبرز للإعلام في قضية “نشر خطاب الكراهية” التي ربطت بعض الإعلاميين الرياضيين في قضايا الشغب والعنف في الملاعب الجزائرية. ولم يكن هذا الجدل إلا بداية لانتقال الإعلام من دوره التقليدي كقائد للفكر والنقاش إلى دور محفز لبعض الأفكار غير الموضوعية، كما حدث حين تبنَّت بعض وسائل وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاق “عمي تبون لا تذهب إلى العراق”. تلك الحملة أثارت تساؤلات كبيرة حول مسؤولية الإعلام في بناء الوعي وتحقيق دور إيجابي في المجتمع.

خطاب الكراهية في الإعلام الرياضي

تمّ تكليف الإعلام الرياضي بمسؤولية نقل الوقائع بكل حياد وموضوعية، لكن ما حصل خلال تغطيته للأحداث الرياضية في الجزائر هو العكس تمامًا. فقد تم اتهام بعض الإعلاميين بتبنّي خطاب الكراهية والتحريض على العنف، مما أثار ردود فعل واسعة من قبل سلطة ضبط السمعي البصري التي تحركت بسرعة لإيقاف برنامج “ستاد النهار” على قناة “النهار” لمدة 21 يومًا، إثر تصريحات غير مهنية تضمنت تحليلات عنصرية.

الإعلام الرياضي، الذي كان من المفترض أن يكون رافدًا مهمًا للروح الرياضية، تحول إلى مروج لبعض الأفكار المتطرفة والمتحيزة، دون مراعاة مبدأ الحياد المهني الذي يجب أن يلتزم به.

“عمي تبون لا تذهب إلى العراق”: الهاشتاق الذي أسقط الإعلام في الفخ

في حدث آخر أثار الجدل، ظهر هاشتاق “عمي تبون لا تذهب إلى العراق” وتداولته شريحة واسعة من الجزائريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الهاشتاق دعا إلى تحذير رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من زيارة العراق، استنادًا إلى مزاعم حول وجود “مؤامرات” وأجندات مناهضة للجزائر من بعض القوى الإقليمية. لكن، مع فحص مصدر الهاشتاق، تبين أنه لم يكن سوى فكرة تروج لها فئة من رواد فيسبوك، لم تعتمد على أي معطيات حقيقية أو دراسات موضوعية.

من المؤلم أن هذا الهاشتاق تلقى دعمًا واسعًا من بعض وسائل الإعلام الوطنية، التي للأسف سقطت في فخ الترويج لخطاب “الدجل”. فبدلاً من أن يُظهر الإعلام المحلي القدرة على غربلة المعلومات وتقديم الحقائق المدروسة، كان هو نفسه من يساهم في نشر نظريات خرافية عارية عن الصحة، حيث استسلم لسلطة وسائل التواصل الاجتماعي، التي غدت تسهم بشكل أكبر في تشكيل الرأي العام أكثر من وسائل الإعلام التقليدية.

الإعلام بين الواقع والمفاهيم الزائفة

إن تحول الإعلام من قاطرة لطرح الأفكار ومناقشتها بشكل بناء إلى مجرد مروج لنظريات الدجل والتعصب، يعد أمرًا محبطًا. مع تصاعد دور وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ الإعلام التقليدي يفقد تأثيره، بل وأصبح في بعض الأحيان مجرد تابع للفضاءات الرقمية التي تمتلئ بالأخبار الكاذبة والمغلوطة. في هذا السياق، أصبح الصحفيون والإعلاميون مضطرين إلى إتباع الرأي السائد في الفضاء الأزرق، بل والترويج له بدلاً من أن يكونوا هم من يقودون النقاشات العامة ويطرحون الموضوعات بموضوعية وعلمية.

هذا التراجع في دور الإعلام يدعو إلى التساؤل: هل يمكن للإعلام أن يظل سلطة رابعة مستقلة وموثوقة في هذا الزمان؟ أم أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بمثابة القوة العظمى التي تحدد مسار الأحداث وتوجه الرأي العام؟

الإعلام والمواطن: تفاعل إيجابي أم فقدان البوصلة؟

الجزائريون، الذين كانوا في البداية مجرد متلقين للمعلومات، بدأوا يظهرون قدرة على التفاعل مع القضايا الوطنية ومواقف السلطة. ظهور الهاشتاق “عمي تبون لا تذهب إلى العراق” هو مؤشر على تفاعل المواطنين مع القضايا السياسية، لكن تبني الإعلام لهذا الهاشتاق دون التحقق من مصادره يعكس أزمة حقيقية في الخطاب الإعلامي. الإعلام والصحافة كسلطة رابعة من المفترض أن تكون القوة التي تميز بين الحقيقة والخرافة، وتقدم للقارئ مصادر موثوقة وتحليلات مدروسة.

الحاجة الملحة لإصلاح الإعلام

إن دور الإعلام لا يتوقف عند تقديم الأخبار، بل يمتد ليشمل توجيه المجتمع وتثقيفه. لذلك، يجب على وسائل الإعلام، خاصة في الجزائر، أن تعيد النظر في مصادر المعلومات التي تتعامل معها، وأن تتحلى بالمسؤولية الاجتماعية والمهنية في نشر الأخبار والمواضيع. وعليه، ينبغي على الإعلام أن يكون له دور كبير في التصدي للأخبار الكاذبة والمغلوطة، وأن يصبح البديل الرسمي والقوي أمام سطوة الفضاء الرقمي.

إن قضية زيارة الرئيس تبون إلى العراق، والجدل الذي أثير حولها، يجب أن يتم اتخاذ القرار بشأنها بناءً على تحليلات خبراء استراتيجيين وأمنيين، وليس على أساس شائعات أو آراء مستنبطة من منصات التواصل الاجتماعي. الإعلام ينبغي أن يكون عنصرًا مساعدًا في تعزيز القرار السياسي، وليس محركًا للفوضى والشكوك.

Exit mobile version