في قلب المأساة التي تعصف بغزة، يرفض مهرجو القطاع وفنانو السيرك الاستسلام للحزن، ويواصلون تقديم عروضهم في مراكز إيواء النازحين والمستشفيات. هدفهم الوحيد: أن يزرعوا ابتسامة على وجوه الأطفال الذين أنهكتهم ويلات الحرب الإسرائيلية.
وسط مخيمات النزوح التي تنبض بالحزن، يُسمع صوت عبد الرحيم البطش، المعروف بلقب “العم زيزو”، وهو يصرخ قائلاً: “كفى حزناً، كفى ألماً، تعبنا من هذا السواد الذي يحيط بنا من كل جانب”. ويضيف في حديثه لـ”المجلة”: “مهمتي أنا وزملائي هي البحث عن الفرح وسط الخراب، فالأطفال الفلسطينيون يستحقون السعادة كما يستحقها أطفال العالم بأسره”.
من جانبه، يوضح الفنان علاء مقداد، المعروف بلقب “دكتور علوش”، أن الحزن ليس غريبًا على أطفال غزة، لكن هذه الحرب كانت الأكثر قسوة ودمارًا. ويؤكد أن عروض السيرك التي يقدمها تحمل في طياتها رسائل دعم نفسي وتعليمي، مثل تعليم الأطفال كيفية حفظ أسمائهم الكاملة لمواجهة ظاهرة ضياعهم في خضم النزوح، بالإضافة إلى تحذيرهم من الأجسام المشبوهة.
ويضيف “دكتور علوش” قائلاً: “التركيز الآن هو على الأطفال المصابين، حيث نحاول تخفيف آلامهم من خلال العروض البسيطة داخل المستشفيات، من أجل رسم ابتسامة ولو لبضع لحظات على وجوههم الصغيرة”.
أطفال يكبرون بسرعة قسرية
أما الفنان معتز جندية، المعروف بلقب “العم ميكي”، فيصف الألم النفسي الذي يعيشه الأطفال، قائلاً: “نرى وجوهًا صغيرة كبرت فجأة بسبب الحرب، وتحمل عبئًا يفوق قدرتها”. هذه الجملة تلخص بشكل مؤثر الواقع الذي يعيشه هؤلاء الأطفال الذين أجبرتهم الحرب على تجاوز طفولتهم.
ورغم المشهد القاتم الذي يواجهونه، فإن هؤلاء الفنانين يؤمنون بأن الفرح هو شكل من أشكال المقاومة. ضحكة واحدة، رغم كل الألم، قد تفتح نافذة أمل في جدار الحزن. هؤلاء مهرجو غزة هم الجنود المجهولون الذين يقاومون اليأس بالبسمة وسط الدمار، ويثبتون أن الإنسان قادر على بث الحياة في أكثر اللحظات قسوة.
الفن كأساس للبقاء
من خلال جهودهم المستمرة، يظهر هؤلاء الفنانين في غزة كرموز للقوة البشرية التي ترفض الاستسلام. ربما لا تكون ضحكتهم هي الحل النهائي لما يمر به القطاع، لكنها بكل تأكيد لحظة من النور وسط الظلام، تذكرنا بأن الإنسان قادر على إيجاد الأمل وسط أسوأ الظروف.