عيسات إيدير… حين التقى صوت العامل بصوت الوطن

في يوم العمال العالمي، تعود إلى الواجهة شخصية نقابية طبعت تاريخ الجزائر الحديث بطابعها النضالي الوفي لقضايا العمال والكرامة الوطنية. إنه عيسات إيدير، الاسم الذي لا يُذكر إلا مقرونًا بالنضال النقابي والسياسي في أحلك مراحل الاستعمار. كان صوتًا صادحًا داخل قاعات الاتحاد، وسندًا ثابتًا في وجه القمع والتمييز. من خلال التزامه العميق بالدفاع عن حقوق العمال، جسّد عيسات إيدير المفهوم الحقيقي للزعامات النقابية التي لا تساوم، وربط بين معركة الخبز ومعركة التحرر الوطني. واليوم، في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الشغيلة الجزائرية، يستحضر الكثيرون سيرته كنموذج للصدق، والإخلاص، والبصيرة.

ولد إيدير في منطقة أزفون عام 1919، في بيئة ريفية تعرف قسوة العمل وتضييق الاستعمار. لم يكن مجرد نقابي تقليدي يطالب بتحسين ظروف العمل، بل كان يؤمن أن العدالة الاجتماعية لا تتحقق في ظل الاحتلال، وأن تحرير العامل لا ينفصل عن تحرير الوطن.

أسّس عيسات إيدير سنة 1956 الاتحاد العام للعمال الجزائريين (UGTA)، في لحظة مفصلية من تاريخ الثورة الجزائرية. لم يكن هذا الاتحاد مجرد ذراع نقابية، بل أصبح امتدادًا للحركة الوطنية، ينظم العمال ويقودهم إلى الإضرابات والمقاومة داخل المصانع والمناجم، تمامًا كما كان المجاهدون يواجهون الاستعمار في الجبال.

اعتُقل إيدير سنة 1957 وتعرض لتعذيب مروّع على يد الاستعمار الفرنسي، ليفارق الحياة في السجن سنة 1959. لكنه، ورغم الغياب الجسدي، ظل حاضرًا في الذاكرة الجماعية كرمز للنقاء النقابي، والالتزام بقضية الإنسان العامل، سواء كان في معمل أو في معركة.

في زمن تتشابك فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتُطرح فيه أسئلة حول دور النقابات، تبدو العودة إلى تجربة عيسات إيدير ضرورة أخلاقية وسياسية، لا لاستحضار الماضي فحسب، بل لفهم كيف يمكن للنقابة أن تكون أداة للتغيير الحقيقي، لا مجرد هيكل إداري أو صوت باهت.

Exit mobile version