الإمارات ونهب ذهب إفريقيا: اقتصاد موازٍ تحت غطاء الحروب

في قارةٍ تئنّ تحت وطأة الحروب والصراعات والانقلابات، لم يعد الاستعمار بحاجة إلى بوارج وجيوش، بل يكفيه أن يتخذ لنفسه واجهة فاخرة، وشعارًا برّاقًا اسمه “الاستثمار”. وبينما تغرق دول الساحل الإفريقي في مزيد من الفقر والانهيار، تتصاعد ثروات دولة الإمارات بوتيرة تثير الريبة، ويعلو السؤال: من أين لكِ هذا؟

في الأعوام الأخيرة، بدأت أبوظبي تُلقَّب في الأوساط الدولية بـ”آلة غسيل الثياب”… لكن “الثياب” هنا ليست إلا رمزًا للذهب المهرب، والأموال القذرة، والعقود المشبوهة، التي تُمرَّر باسم التنمية، لتُغسل في مصافي دبي، وتُعاد تصديرها إلى العالم بشهادات منشأ مزوّقة.

تحوّلت الإمارات من دولة صغيرة تبحث عن موطئ قدم، إلى لاعب إقليمي يمارس أدوارًا وظيفية تفوح منها رائحة النيابة عن الاستعمار القديم، ولكن بأساليب جديدة. تسيطر على الموانئ، وتستثمر في المناجم، وتدعم الأطراف المتصارعة، ليس حبًا في إفريقيا، بل ضمانًا لاستمرار الفوضى التي تسهّل تهريب الثروات وتقويض السيادة الوطنية.

إنها ليست مجرد تجارة ذهب، بل تجارة بالدم، بالسيادة، وبأحلام شعوب تبحث عن النهضة. فكلما احترق بلد إفريقي بنيران حرب أهلية أو انقلاب عسكري، ظهرت الإمارات على مسرح الأحداث، لا لتطفئ النار، بل لتعيد إشعالها بما يناسب مصالحها ومصالح من تخدمهم.

إفريقيا المنهوبة: كيف تُسرق القارة في وضح النهار؟

تواجه إفريقيا تحديًا متزايدًا يتمثل في استغلال مواردها الطبيعية ضمن اقتصاد غير رسمي، حيث تلعب الحروب دورًا مزدوجًا في تغذية هذا الاقتصاد الموازٍ. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة “سويس إيد” السويسرية غير الحكومية، فقد تم تهريب 435 طنًا من الذهب من القارة خلال عام واحد، بقيمة تقدر بـ 30 مليار دولار. وأبرز التقرير أن 93% من هذا الذهب (405 طن) وصل إلى الإمارات، التي استوردت خلال العقد الماضي ما مجموعه 2500 طن، بقيمة 115 مليار دولار.

و كشف تقرير منظمة “سويس إيد” عن وجود فجوة كبيرة بين صادرات الذهب المعلنة من قبل الدول الإفريقية والواردات المسجلة في الدول المستوردة. في حين تتطابق البيانات مع دول مثل سويسرا والهند، تظهر الإمارات كحالة استثنائية، حيث تستورد كميات أكبر بكثير من الذهب مقارنة بما يتم تصديره رسميًا من القارة، مما يثير تساؤلات حول القنوات التي يصل عبرها الذهب إلى الدولة الخليجية.

و يؤدي تهريب الذهب إلى خسائر مالية ضخمة للحكومات الإفريقية، تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنويًا، ما يحرمها من موارد ضرورية للتنمية الاقتصادية. علاوة على ذلك، يساهم هذا الاقتصاد الموازي في:

السودان: نموذج لتداخل الذهب والصراع

تُعد الحرب الأهلية في السودان دراسة حالة لكيفية ارتباط الذهب بالنزاعات المسلحة. فبينما يواجه السودان أزمة اقتصادية خانقة، تظل عائدات الذهب مصدرًا حيويًا للحكومة وللفصائل المسلحة على حد سواء. وفي هذا السياق، يشير مراقبون إلى أن الإمارات تستقبل معظم صادرات الذهب السودانية ، مما يساهم في تعقيد الأزمة الاقتصادية ويعيق جهود إعادة الاستقرار.

الإمارات.. مركز عالمي لغسل الذهب؟

بحسب تحقيقات استقصائية نشرتها مؤسسات مالية وتقارير دولية، تلعب الإمارات دورًا رئيسيًا في إعادة إدماج الذهب المهرب في الأسواق العالمية، حيث يتم:

و تطرح هذه المعطيات أسئلة حول الدور الإماراتي في إفريقيا، خصوصًا مع تزايد نفوذها الاقتصادي في مناطق النزاعات. فمن جهة، تسعى الدولة إلى تعزيز مكانتها كمركز مالي وتجاري عالمي، ومن جهة أخرى، يثير حجم الذهب المهرب تساؤلات حول طبيعة العلاقات التي تربطها بالجهات الفاعلة في مناطق النزاعات.

و يُعيد هذا الملف فتح النقاش حول ضرورة فرض رقابة دولية أكثر صرامة على تجارة الذهب، لضمان عدم تحوّله إلى أداة لتمويل النزاعات وتقويض الاقتصادات المحلية. وفي ظل هذه التحديات، يبقى التساؤل الأهم:

في الزمن الذي غيَّر فيه الاستعمار قفازاته، برزت الإمارات كـ”وكيل أنيق للفوضى”، تحمل راية الهيمنة الاقتصادية تحت لافتة الاستثمار والتنمية، بينما تمارس على الأرض أبشع صور النهب والتخريب الممنهج. لم تعد السطوة تُمارس بالدبابات، بل بشركات وهمية وسبائك مغسولة من دماء الفقراء. في إفريقيا، حيث يلتقي الجوع بالذهب، تحولت الإمارات إلى آلة غسيل الثياب الجديدة، تغسل الذهب المهرب، والأموال القذرة، وسمعة أمراء الظل، وتُعيد تصديرها بلون لامع إلى أسواق الغرب. بهذا الدور المزدوج، تبدو أبوظبي لا كفاعل اقتصادي، بل كأداة استعمارية حديثة، تنفذ الأجندات الكبرى بقفازات ناعمة، وتحوّل النزاعات المحلية إلى فرص للربح، والخراب إلى تجارة مزدهرة.

لقد آن الأوان لإفريقيا أن تُسائل من يتربّص بها، وللعالم أن يعيد النظر في شعارات الاستثمار والتنمية، حين تتحول إلى أدوات لاستدامة النهب والاستغلال.

كيف يمكن للمجتمع الدولي الحد من استغلال الذهب الإفريقي لتمويل الصراعات وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية؟

“كم بقي لإفريقيا حتى تستعيد قرارها وثرواتها؟”

Exit mobile version