تقرير لشبكة تلفزيون ABC News حمل عنوان “بينما تحتفل أوروبا بانتصار يوم النصر في أوروبا (V-E Day)، تُحيي الجزائر ذكرى موازية لمجازر الحقبة الاستعمارية”، يتناول المفارقة التاريخية التي يعكسها هذا اليوم. بينما تحتفل أوروبا بانتصارها على الفاشية ونهاية الحرب العالمية الثانية، تُحيي الجزائر ذكرى المجازر التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في نفس اليوم. يشير التقرير إلى التباين بين الدول التي هزمت النازية، وفي الوقت نفسه كانت تمارس أبشع المجازر بحق الشعوب المستعمَرة، لا سيما في أفريقيا والعالم العربي. يتناول التقرير تأثير تلك المجازر على الجزائر، وكيف أسهمت في إشعال الغضب الوطني الذي أدى إلى الثورة التحريرية.
بينما تحتفل أوروبا بانتصار يوم النصر في أوروبا (V-E Day)، تُحيي الجزائر ذكرى موازية لمجازر الحقبة الاستعمارية
بينما تحتفل أوروبا بالذكرى الثمانين لانتصارها على الفاشية ونهاية الحرب العالمية الثانية، تُحيي الجزائر ذكرى أكثر قتامة: المجازر التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في اليوم نفسه.
وفي رسالة وجهها هذا الأسبوع، اعتبر الرئيس عبد المجيد تبون أن إحياء ذكرى 8 ماي هو تعبير عن الفخر الوطني، واصفًا المناسبة بأنها كانت بمثابة تمهيد لنضال الجزائريين من أجل الاستقلال.
وقال تبون: “إحياء ذكرى 8 ماي يعكس تمسك الجزائريين بالحرية والكرامة، وهي القيم التي خرجوا من أجلها إلى الشوارع بأيديهم العارية لمواجهة العدو”، واصفًا الاستعمار الفرنسي بـ”الإبادة الجماعية” و”جريمة ضد الإنسانية”.
أكثر من 500 ألف جندي من شمال وغرب إفريقيا ومدغشقر، عُرفوا بـ”التيرايور”، حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية. بعضهم تطوع، بينما أُجبر كثيرون على التجنيد القسري، ولقي عدد كبير منهم مصرعهم، وتلقّوا عمومًا أجورًا أقل من نظرائهم الأوروبيين.
وكان كثير من الجزائريين الذين خدموا في الحرب يأملون في نيل حقوق أكبر، لكنهم بعد انتهائها ووجهوا بالقمع والعنف، في الوقت الذي كان فيه الجنرال شارل ديغول يُشيد بانتصار “قضية الحرية والعدالة” في بث إذاعي امتدّ إلى المستعمرات الفرنسية، بما فيها الجزائر.
في 8 ماي 1945، خرج آلاف الجزائريين في مدن عين تموشنت، قالمة، خراطة وسطيف، رافعين الأعلام الوطنية ومرددين شعارات الاستقلال. وبعد أن واجههم رجال الشرطة بالنار، اندلعت أعمال شغب مناهضة للفرنسيين أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص، لترد فرنسا بحملة جوية وبرية أدت إلى مقتل آلاف الجزائريين — تقول الجزائر إن عددهم بلغ 45 ألفًا، بينما تشير الإحصاءات الفرنسية إلى نحو 3 آلاف قتيل.
الحرب وضعت نهاية لآمال مماثلة في مستعمرات بريطانيا بإفريقيا الشرقية والغربية، حيث شارك أكثر من 375 ألف رجل في القتال، ليعودوا بعد الحرب إلى واقع من العنصرية والتهميش السياسي، وهو ما ساهم لاحقًا في اندلاع تمرد “ماو ماو” ضد الحكم البريطاني في كينيا، والذي أسفر عن مقتل عشرات الآلاف.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت بلدان مثل جنوب إفريقيا مراسم لتكريم الجنود الأفارقة الذين خدموا في الحرب، بينما خصصت دول أخرى مثل السنغال مناسبات لإحياء ذكرى الظلم والعنف اللذين عانى منهما الجنود بعد الحرب.
في الجزائر، يُنظر إلى مجازر 8 ماي على أنها لحظة مفصلية أيقظت الغضب والعزيمة التي فجّرت لاحقًا ثورة التحرير.
وقال المؤرخ محمد فراد هذا الأسبوع: “فهم الجزائريون حينها أن الطريق الوحيد والممكن نحو الاستقلال هو الكفاح المسلح”.
تتواصل فعاليات إحياء يوم النصر في أوروبا هذا الأسبوع، حيث ركز القادة على الحرب في أوكرانيا وقيم الحرية والديمقراطية. ومن المنتظر أن يلقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمة مساء الخميس تتناول هذه المواضيع.
أما في الجزائر، فقد نظمت وزارة المجاهدين سلسلة فعاليات وطنية تتضمن شهادات مباشرة من المجاهدين ومحاضرات من مؤرخين حول معركة الاستقلال التي تواصلت بعد 132 سنة من الاستعمار الفرنسي.
لطالما أُعيدت مناقشة هذه المجازر في الكتب والأفلام داخل الجزائر وفرنسا، وتعود إلى الواجهة مع كل توتر جديد في العلاقات الثنائية.
في عام 2022، أعلن تبون وماكرون إطلاق “ملف الذاكرة” بصيغة لجنة تاريخية مشتركة على غرار لجان الحقيقة، لكن نشاطها تعثر بسبب خلافات متفاقمة حول قضايا مثل الهجرة وتعامل فرنسا مع علاقاتها المتوازنة بين الجزائر والمغرب.
ورغم أن قادة فرنسيين، بمن فيهم ماكرون، دعوا إلى المصارحة والاعتراف، إلا أن فرنسا لم تصدر بعد اعتذارًا رسميًا على مستوى الدولة، كما تطالب الجزائر.
وكتب تبون في رسالته الأربعاء: “الجزائر لن تسمح أبدًا بأن تُنسى قضية الذاكرة أو أن تُستخدم كورقة للمساومة، وفاءً لدماء الشهداء”.
وقد وصل وفد من نحو 30 نائبًا فرنسيًا من تيارات اليسار والوسط إلى الجزائر يوم الأربعاء للمشاركة في إحياء ذكرى المجازر.