في 8 مايو 2025، نحيي الذكرى الثمانين لمجازر سطيف وقالمة وخراطة، التي قُتل فيها 45,000 جزائري على يد القوات الاستعمارية الفرنسية والميليشيات الأوروبية في 8 مايو 1945 وفي الأيام التي تلتها.
نحيي هذه الذكرى الدموية هذا العام، في الوقت الذي تستمر فيه في غزة، قوات الاحتلال الصهيوني في ارتكاب إبادة جماعية منذ 19 شهراً، تمنع خلالها المساعدات الإنسانية من دخول القطاع المحاصر، مما يهدد الشعب الفلسطيني بالمجاعة والأمراض، بينما تواصل قصف ما تبقى من الأنقاض والخيام، معلنة عن غزو بري وشيك لقطاع غزة. وفي الوقت ذاته، يتم تنفيذ هجوم دموي استمر لأكثر من 100 يوم على مخيمات اللاجئين في جنين ونور شمس، مما أجبر عشرات الآلاف من السكان على اللجوء، في محاولة لإبادة المقاومة وتصفية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة.
ورغم هذه الأعمال الوحشية، تواصل المقاومة الفلسطينية تحقيق خسائر كبيرة في صفوف قوات الاحتلال، مدافعة عن شعبها وأرضها بشجاعة وكرامة.
لقد ارتكبت الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية مجازرها في الجزائر ومدغشقر والهند الصينية والكاميرون—أكثر من مئة وخمسين عاماً بعد أن غسلت دماء ديلغري ورفاقه في جوادلوب، ونحو قرن من الزمن بعد سحق الانتفاضة الكبرى للكاناكي.
اليوم، تُعد فرنسا جزءاً من القوى الإمبريالية التي تدعم وتساهم بشكل مباشر في تمويل وتزويد الاحتلال الصهيوني بما يحتاجه لتنفيذ الإبادة الجماعية في غزة، في الوقت الذي تشارك فيه أيضاً في محاولة فرض نزع سلاح المقاومة في فلسطين ولبنان، وحكم سلطة فلسطينية فاسدة ومتواطئة، بينما تواصل سجن المقاوم الفلسطيني جورج إبراهيم عبد الله بعد 40 عاماً من الاضطهاد السياسي والقضائي. وتواصل هذه الحكومة أيضاً قمع حركة التضامن مع فلسطين، مطالبة بحل منظمة “أورجانس بالستين” و، قبلها، “كولكتيف بالستين فينكرا”.
هذه الإبادة الجماعية لا تتحقق إلا من خلال الدعم والمشاركة المباشرة للقوى الإمبريالية والاستعمارية مثل فرنسا والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا، وكذلك تواطؤ الأنظمة العربية المطبعة.
إن الشهداء الذين نراهم في فلسطين، الذين تغمر أجسادهم ودماؤهم شاشاتنا وعقولنا، الذين لم يعد لدينا دموع كافية لهم، الذين يمزق ذكراهم قلوبنا بألم لا مثيل له، هم بكل معنى الكلمة مثل شهدائنا في الجزائر، وفي فيتنام، وفي الكاميرون، وفي جوادلوب، وفي كاناكي.
بعد أسبوع، في 15 مايو 2025، سنحيي الذكرى السابعة والسبعين للنكبة. في ذكرى شهدائنا، في ذكرى الأجداد والشعوب التي قُتلت على يد العنف الاستعماري والإمبريالي، فإن التحرك ضد الإبادة الجماعية، والصهيونية، والاستعمار، ودعم المقاومة الفلسطينية هو أسمى تكريم.
“في كل مرة يعطي أحدنا حياته، يصبح وعداً نحن مسؤولون عن الوفاء به” — محمد بوديا
مواجهة مع الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، حيث يتبع الرعب الرعب، حيث يروي الشهداء الأرض بدمائهم، حيث تظهر الأجساد الممزقة أمام أعيننا، يجب أن نتذكر أن لا الاغتصاب الجماعي، ولا المجازر في القرى بأكملها، ولا التعذيب والاغتيالات، ولا القتل بالدخان قد تمكنت من كسر مقاومة الشعب الجزائري.
يجب أن نتذكر أن لا النابالم، ولا وكيل البرتقال، ولا القصف المكثف في جميع أنحاء الأراضي الفيتنامية، تمكنت من سحق عزم وصمود الشعب الفيتنامي.
اليوم أكثر من أي وقت مضى، تكريماً لأولئك الذين أُخذت حياتهم ودمّرت على يد همجية الاستعمار، يجب علينا أن نواصل التحرك دعمًا للمقاومة الفلسطينية وأن نردد، هنا، كفاحها ضد الإبادة الجماعية والاستعمار والإمبريالية. ننتظر اليوم الذي سيتذوق فيه الشعب الفلسطيني الحرية، عندما يُمحى الاستعمار والظلم من أرضهم، عندما تتفتح أحلام الشهداء من خلال ابتسامات وأيدٍ للأجيال القادمة. في ذلك اليوم، سيهزم المستعمر ويحاسب على جرائمه. في ذلك اليوم، سيتحقق جزء من وعد الشهداء.
المجد للشهداء، وليشفي حب شعوبهم اللانهائي آلام أحبائهم، ولترافق ذاكرتهم الأحياء على الطريق الطويل نحو التحرير.
المجد لشهداء غزة، الذين ذاكرتهم هي كل شيء، الذين أصبحت أنقاضهم منازلهم، الذين يبكي أرضهم غيابهم وعجزها عن احتضان رفاتهم.
المجد للشهداء ذوي الأيدي الباردة، للأمهات ذوات القلوب النارية، لأولئك الذين تغطي وجوههم الجدران وأسمائهم مكتوبة في سجل الأبدية.
الجزائر انتصرت، وفلسطين ستنتصر!
المصدر: صامدون