من يقرأ بعض الصحف من المغرب، يظن أن الجزائر قد أعلنت لتوها افلاسها، أو أنها أعلنت رسميًا تغيير عملتها إلى “بيتكوين صحراوي”! لا مزاح هنا، فقد خصص موقع The North Africa Post مقالًا كاملًا للحديث عن “تناقضات” الجزائر، لمجرد اتفاقية استثمارية صغيرة وقعت بين الجزائر والبنك الاسلامي .
لكن، وللأمانة، The North Africa Post ليس مجرد موقع عادي، بل هو أحد المواقع المغربية المعادية والتي تخصصت في نشر الأكاذيب، الشائعات، والأخبار المغلوطة عن الجزائر. يمكننا القول إنه أحد بيوت الدراما الرقمية، حيث تُصنع نظريات المؤامرة كما تُخبز الخبز!
في زمن تُقاس فيه السيادة برأي وكالة فيتش، وتُستخرج فيه الاستراتيجيات من تقرير صندوق النقد، يبدو أن أكبر مشكل للجزائر في أعين بعض الجيران ليس التضخم، ولا البطالة، بل… أنها لا تستدين منهم!
الكاتب الذي يبدو أنه يخلط بين “التحليل الاقتصادي” و”التحليل بالتمني” نسي أن يتكلم عن الدين المغربي، فهو مثل ذاك الضيف الثقيل الذي يدخل البيت من الباب الكبير ويترك وراءه فواتير الكهرباء والماء والضحك على المصاريف! إذ يبلغ هذا الدين الخارجي ما يقارب 70 مليار دولار، أي أكثر مما يمكن أن يجنيه “سوس العميق” لو جمع كل حبات الرمال على شواطئه! المغرب يتباهى باستقراره الاقتصادي، لكن يبدو أن استقراره الوحيد هو استقراره على ركائز الدين التي تثقله أكثر فأكثر، وكأن المملكة تلعب لعبة “من سيغرق أولًا” مع جدار الدين الخارجي! فإذا كان الدين هو الفن، فالمغرب بلا شك فنان من الطراز الرفيع… في رسم خطط القروض!
لكن جوهر المقال، في الحقيقة، لا علاقة له بالدين الخارجي، بل بالخوف الداخلي.
فالهاجس الحقيقي ليس في كيف ستموّل الجزائر مشاريعها، بل في ما الذي ستموّله أصلًا!
وهنا بيت القصيد: الجزائر بصدد إطلاق مشاريع تنموية استراتيجية تمس قطاعات حساسة كالصناعة، الطاقة المتجددة، البنى التحتية، بل وحتى الذكاء الاصطناعي. وهي مشاريع يُخطّط لتمويلها بشراكات أجنبية مباشرة، دون المرور عبر وصفات التمويل المشروطة التي يعرفها جيدًا من اعتاد طرق أبواب المؤسسات الدولية. وهذا ما يُفقد بعض “المراقبين” صوابهم.
ما يُقلق أصحاب المقالات المبرمجة ليس الدين الخارجي، بل أن الجزائر تتخذ قراراتها المالية والاقتصادية دون المرور على بنك المغرب أو بوابة الرأي العام المُهيأ مسبقًا.
وختامًا، إن كان قرض إسلامي صغير يهزّ ثقة بعض المراقبين الافتراضيين، فماذا لو علموا أن الجزائر تملك 174 طنًا من الذهب، وأنها، رغم كل حملات “التحليل”، ما تزال تموّل مشاريعها دون الحاجة إلى رعاية صندوق النقد؟ ربما سنقرأ غدًا مقالًا بعنوان:
“الذهب الجزائري.. تهديد جديد للاستقرار المغاربي”!
ملاحظة مهمة:موقع “The North Africa Post” هو منصة إخبارية مغربية باللغة الإنجليزية تأسست عام 2012 في الرباط، ويدّعي تقديم تحليلات وأخبار حول شمال إفريقيا والشرق الأوسط. جمهوره المستهدف هم القراء الأنجلوساكسون حول العالم، الذين يُروّج لهم صورة مشوّهة عن الجزائر بعيدًا عن الواقع. رغم ادعائه الاستقلالية، فإن الموقع أصبح معروفًا أكثر بنشر الشائعات والأخبار المغلوطة التي تستهدف الجزائر، معتمداً على توجهات سياسية معادية تسعى لتشويش المشاريع التنموية والاستثمار الأجنبي في البلاد. وباختصار، “The North Africa Post” هو بمثابة البوق الإقليمي الذي يُطلق صافرات الإنذار ضد نجاحات الجزائر، معززًا بذلك فكرة أن الأخبار ليست دائمًا ما تقرأه، بل ما تُراد منك قراءته.