إلى أي نوع من التراث تنتمي حلبة الثيران؟
تُعدّ حلبة الثيران في وهران أحد أبرز المعالم التي تجسّد التراثين الثقافي والتاريخي في الجزائر. فقد أنشئت أواخر القرن التاسع عشر بهدف نظيم عروض مصارعة الثيران و استجابةً لرغبة المستوطنين من أصول إسبانية، الذين استقروا في مدينة وهران بعد الاحتلال الفرنسي، “، وهو تقليد كان جزءًا من ثقافتهم. ويُضفي تصميم الحلبة المعماري الفريد والأنشطة التي احتضنتها على مرّ العقود، طابعًا رمزيًا فأصبحت حينها فضاءً جماهيريًا يعكس تنوع الأذواق الثقافية لسكان المدينة. وقد تم تصنيف الحلبة رسميًا كتراث وطني من قبل وزارة الثقافة، ما منحها مكانة خاصة ضمن التراث الوطني الجزائري، وسلط الضوء على أهمية حمايتها وصيانتها باعتبارها معلمًا من معالم الهوية الثقافية والتاريخية للمدينة. بناءً على ذلك، تندرج حلبة الثيران ضمن فئات التراث الثقافي (Patrimoine culturel)، والتراث التاريخي (Patrimoine historique)، والتراث الوطني (Patrimoine national).
تاريخ حلبة مصارعة الثيران في وهران “لاكوريدا”
بُنيت حلبة الثيران في وهران لأول مرة من الخشب في 27 ماي 1890، قبل أن يُعاد تشييدها بالحجارة سنة 1910، بتوقيع المعماري الفرنسي إرنست-رينيه غارلونييه، وبالتعاون مع المقاول أ. أندريولي. وقد صُمّمت الحلبة بشكل دائري على غرار حلبات مدينتي نيم وقرطبة، بمساحة تقارب 4800 متر مربع. وفي عام 1954، عشية استرجاع السيادة الوطنية، تم توسيعها لتستوعب 10,000 متفرج، فغدت آنذاك منشأة ترفيهية وثقافية بامتياز. غير أن تصاعد الوعي الوطني أدى إلى توقف نشاط مصارعة الثيران عام 1960، لتدخل الحلبة في مرحلة جديدة، امتدت من النسيان، مرورًا بمحاولات متقطعة للترميم، وصولًا إلى إعادة افتتاحها سنة 2018 بعد تصنيفها رسميًا كتراث وطني.
بعد الاستقلال، أُدرجت الحلبة ضمن برنامج ترميم في سنة 1986، غير أن هذا البرنامج لم يُفعّل بشكل فعّال. ورغم ذلك، شهدت الحلبة بعض الأنشطة الثقافية والفنية، أبرزها احتضانها لموسم سيدي الهواري سنة 1987، كما ورد ذكرها في رواية “الغجر يحبون أيضًا” للكاتب الجزائري واسيني الأعرج، والتي تروي قصة حب بين مصارع ثيران ومغنية غجرية خلال حرب التحرير.
وفي جانفي 2024، صُنّفت الحلبة مجددًا كتراث وطني من قبل وزارة الثقافة الجزائرية، في خطوة ترمي إلى حماية هذا المعلم التاريخي وتعزيز مكانته الثقافية والسياحية. واليوم، تُعد حلبة مصارعة الثيران في وهران وجهة سياحية متميزة، تتيح للزوار فرصة استكشاف تاريخها الغني والانغماس في أجوائها الفريدة.
إدماج في الدورة السياحية لوهران
من الناحية السياحية، فإن وهران تعد فضاءً متوسطيًا فريدًا فيه تلاقح ثقافي كثيف، و تُعتبر لاكوريدا موقعًا مثاليًا يمكن ربطه بمسارات سياحية قائمة كجبل مرجاجو، حي سيدي الهواري، وقصر الباي. ويُمكن تطوير عروض صوت وضوء متعددة اللغات تروي تاريخ الحلبة، خاصة بالإسبانية، لاستقطاب السياح من الضفة المتوسطية المقابلة. كما يمكن اعتمادها كموقع تصوير سينمائي فريد يعيد تقديم وهران كمنصة للإنتاج الثقافي العالمي، مع إطلاق تظاهرات سنوية مثل “أيام المتوسط”، التي تجمع بين الموسيقى، الرقص، الأزياء، والمطبخ.
فهل آن الأوان لنُزيح غبار النسيان عن هذا المعلم العريق، ونُعيد الإصغاء إلى جدران لاكوريدا؟ لا بوصفها مسرحًا لصراع الثيران، بل كصفحات حيّة تحكي قصة مدينة تنبض بهويتها المتعددة وتعيد اكتشاف ذاتها؟