وأعتبرت مجلة Spondasud المنخصة أن خطوة الجزائر استبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية كلغة تدريس في كليات الطب ابتداءً من العام الدراسي 2025-2026 تحمل دلالات ثقافية وسياسية عميقة، . وأعلن الرئيس عبد المجيد تبون أن هذا القرار يعكس توجه البلاد نحو التحديث والانفتاح على التكامل العلمي العالمي.
خلال زيارة رسمية إلى مدينة بشار في جنوب غرب الجزائر، افتتح تبون أول كلية طب في منطقة صحراوية بجامعة محمد الطاهري، مؤكدًا أن الانتقال اللغوي ليس مفاجئًا، حيث بدأت الكتب الأكاديمية الطبية تُكتب بالإنجليزية منذ 2022. وقال: “مستقبلنا يُبنى على العلم، والعلم اليوم يُمارس بالإنجليزية”، مشددًا على الأهمية الاستراتيجية لهذا التحول.
أكدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن الانتقال سيكون تدريجيًا مع استثمارات موجهة لتدريب الأساتذة، بهدف تحسين جودة التعليم الجامعي وتعزيز قدرة الجزائر التنافسية دولياً.
ولم يقتصر التوجه على الطب فقط، بل شمل أيضا تعليم اللغة الإنجليزية إجباريًا في المدارس الابتدائية من الصف الثالث منذ 2022، مما يشير إلى تقليص تدريجي لدور الفرنسية التي هيمنت لسنوات طويلة على المؤسسات والتعليم في البلاد.
يرتبط هذا التحول بسياق تاريخي معقد بين الجزائر وفرنسا التي استمرت في استعمار الجزائر لمدة 132 عامًا، وتركت إرثًا ثقافيًا ولغويًا عميقًا. بعد الاستقلال عام 1962، بدأت الجزائر سياسات تعريب لكنها لم تستطع القضاء تمامًا على تأثير الفرنسية، خصوصًا في الطب والتكنولوجيا والتعليم العالي.
تأتي هذه الإصلاحات في ظل توتر العلاقات بين الجزائر وباريس، خصوصًا بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المثيرة للجدل عام 2021 حول الهوية الجزائرية، بالإضافة إلى خلافات حول الذاكرة الاستعمارية وقضايا الهجرة وموقف فرنسا من الصحراء الغربية.
تُعتبر اللغة الإنجليزية اليوم لغة العلوم والبحث والتعاون الجامعي الدولي، ويُنظر إلى هذا التوجه كفرصة لتعزيز الموارد البشرية وجذب الاستثمارات وفتح آفاق جديدة لشباب الجزائر، الذين يشكلون أكثر من نصف السكان تحت سن الثلاثين.
ومع ذلك، تبقى التحديات كبيرة لضمان نجاح هذا الانتقال، حيث قد يؤدي سوء الإدارة إلى تفاقم الفوارق التعليمية، خصوصًا في المناطق النائية.
إن استبدال الفرنسية بالإنجليزية في الجامعات الجزائرية يتجاوز كونه مجرد إصلاح تعليمي، فهو إعادة صياغة للهوية اللغوية والجغرافية السياسية للبلاد، وعلامة على رغبة في التحرر من إرث الاستعمار، مع ما يحمله ذلك من تحديات تتطلب رؤية واضحة وشجاعة وموارد كافية.
للاشارة منصة Spondasud.it هي مجلة إيطالية متخصصة في الجيوسياسة والسياسة الدولية، تركز بشكل خاص على قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تصدر عن المركز الإيطالي العربي والمتوسطي، وتقدم تحليلات معمقة حول التطورات السياسية والاقتصادية والثقافية في هذه المناطق. تأسست المجلة عام 2014 في مدينة كالياري بإيطاليا، وتُعد مصدرًا هامًا للمهتمين بفهم الديناميكيات الإقليمية وتعزيز الحوار بين الثقافات.