بعد مرور نحو قرنين على وفاة الملحن الألماني لودفيغ فان بيتهوفن، تمكن فريق علمي بقيادة الخبير البرازيلي في النمذجة الرقمية، سيسيرو مورايش، من إعادة بناء ملامح وجهه باستخدام صور جمجمته التي تعود إلى القرن التاسع عشر، مستفيدين من تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة. النتيجة كانت صورة رقمية تكشف عن ملامح صارمة ومتجهمة، متوافقة مع تصويره في لوحات الزيت التي تعكس شخصيته العصبية والمعروفة بتقلب المزاج.
وصف مورايش الوجه بأنه “مخيف إلى حد ما”، بينما أشار المايسترو البريطاني مارك ويغليسوورث إلى أن بيتهوفن كان “سريع الغضب وغير مرتب، أحيانًا خشن ومنعزل عن الناس”، لكنه في الوقت ذاته “كان يمتلك روحًا فكاهية وعطوفة وكرمًا”.
يرى العلماء أن هذه الصفات لم تكن مجرد نتاج ظروف حياة صعبة أو صراعات داخلية، بل قد تكون متجذرة في تركيبة بيولوجية خاصة، ما يجعل بيتهوفن نموذجًا واضحًا على العلاقة المعقدة بين العظمة والاضطرابات النفسية.
يفتح هذا الكشف الرقمي نافذة جديدة لفهم بيتهوفن، ليس فقط كعبقري موسيقي، بل كشخص إنساني معقد، حيث تظهر هشاشة العبقرية رغم عظمتها.
المشروع الذي قاده مورايش دمج الدقة العلمية مع الرؤية الفنية، إذ اعتمد على صور تاريخية لجمجمة بيتهوفن وتحليلات لشعره، مع تسجيل أول قياسات علمية لسعة الجمجمة وطولها، ما ساعد في رسم صورة معرفية ونفسية لملامح العبقري. كما استخدم الفريق أدوات من علم الهستيوميتريا لتقدير مستوى ذكاء بيتهوفن استنادًا إلى إنجازاته، خاصة في ظل تحديه للصمم الذي لم يمنعه من إبداع أعمال خالدة.
ويقول مورايش إن المزج بين الألم والعبقرية كان جوهر شخصية بيتهوفن الفنية والإنسانية، مؤكداً أن أزماته الشخصية شكّلت خياله الموسيقي الثوري، ما يجعل منه إنسانًا معقدًا لا مجرد رمز فني.
في عام 2023، نشر بحث في مجلة Current Biology حلّل جينوم بيتهوفن باستخدام خمس خصلات شعر محفوظة، وأكد أن وفاته في عمر 56 عامًا جاءت نتيجة فشل كبدي مرتبط باستهلاك مزمن للكحول، بالإضافة إلى التهاب الكبد B واستعداد جيني لأمراض الكبد. ويذكر البحث أن بيتهوفن بدأ يعاني من نوبات اليرقان في 1821، وفقد سمعه تدريجيًا حتى أصم تمامًا في منتصف الأربعينيات.
في تطور حديث، تبرع رجل الأعمال الأمريكي بول كوفمان بعظام يُعتقد أنها جزء من جمجمة بيتهوفن إلى جامعة فيينا الطبية، وهو ما وصفه كوفمان بأنه لحظة عاطفية لإعادة هذه القطع إلى موطنها الصحيح.
أعاد مورايش بناء وجه بيتهوفن اعتمادًا على صور الجمجمة وبيانات سماكة الأنسجة، مدعومًا بقناع الموت الذي صُنع له أثناء حياته، معربًا عن فخره بدراسته التي كشفت عن عبقرية بيتهوفن وصموده رغم فقدان السمع وشخصيته المعقدة.
يُعرف مورايش عالميًا بمهاراته في النمذجة الرقمية ثلاثية الأبعاد، حيث يعيد إحياء ملامح شخصيات تاريخية بدقة عالية باستخدام تقنيات حديثة، وهو ما يجمع بين الفن والتقنية بطريقة فريدة.
المصدر: nypost