شهدت الساحة الإعلامية الفرنسية تصعيدًا جديدًا في سياسة التضييق على وسائل الإعلام المستقلة، بعد إعلان قناة TV Libertés عن إغلاق حساباتها المصرفية بشكل مفاجئ يوم الأربعاء 4 جوان 2025، دون تقديم أي تبرير قانوني. وقد وصف مقدّم النشرة هذا الإجراء بأنه “خطوة ممنهجة” تستهدف خنق المنصات الإعلامية التي تروج لسرديات بديلة تتعارض مع الخطاب الرسمي الفرنسي.
القناة التي تبثّ عبر “Chaîne officielle TVL” على يوتيوب، لم تُخفِ انزعاجها ممّا وصفته بـ”الضغوط الإدارية والبنكية المتزايدة” في السنوات الأخيرة، خاصةً بعد فرض قيود على تمويلها الرقمي ومحاولات خنقها تقنيًا وإعلاميًا.
هذا الإجراء، وإن لم تُعلن السلطات بعد أي تفسير رسمي له، يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره جزءًا من سياسة فرنسية أوسع تستهدف الحد من تأثير المنصات الإعلامية غير التقليدية، خصوصًا تلك التي تروّج لخطاب مغاير للسردية الرسمية في قضايا السيادة، الهجرة، والهوية.
في السياق نفسه، حذّر عدد من النشطاء الحقوقيين والمحامين من أن “اللجوء إلى الأدوات المالية كوسيلة للعقاب الإعلامي يُعدّ سابقة خطيرة، قد تمس بمبدأ حرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومة”.
يبقى السؤال المطروح: هل هذه الخطوة تمثل نهاية لقناة TVL كما يعرفها جمهورها؟ أم بداية مرحلة جديدة من المواجهة المفتوحة بين الإعلام البديل والدولة الفرنسية؟
للاشارة Chaîne officielle TVL هي القناة الرسمية على يوتيوب التابعة لمنصة TV Libertés، وهي وسيلة إعلامية فرنسية مستقلة ، أُطلقت في جانفي 2014. تأسست القناة على يد شخصيات بارزة من أوساط اليمين الفرنسي، أبرزهم فيليب ميليو ومارتيال بيلد، الأخير كان متحدثًا باسم “الجبهة الوطنية” سابقًا.
تُقدّم TV Libertés نفسها كـ”منصة إعلامية بديلة”، وتروج لرؤية إعلامية مناهضة لما تصفه بـ”الخطاب الرسمي” و”الرقابة الفكرية”، مركّزة على القضايا التي تشغل أوساط اليمين مثل الهجرة، السيادة الوطنية، الأمن، والعلمانية، بالإضافة إلى انتقادات حادة للاتحاد الأوروبي و حلف الناتو.
للتذكير كانت عدة وسائل اعلام قد تعرضت للتضييق في فرنسا حيث أُجبر مكتب قناة “روسيا اليوم” (RT France) في فرنسا على الإغلاق في جانفي 2023 بعد تجميد حساباتها المصرفية من قبل السلطات الفرنسية. وأدى هذا القرار إلى توقف أنشطة القناة في فرنسا، مما أثر على عمل نحو 123 موظفًا، بينهم 77 صحفيًا، وعرّضهم لخطر فقدان وظائفهم. رغم الحظر المفروض على بث القناة داخل الاتحاد الأوروبي، استمر إنتاج المحتوى من موسكو تحت اسم “RT en français”، بينما توقفت العمليات في باريس. جاء هذا الإجراء في سياق تصاعد التوترات بين روسيا والدول الأوروبية، حيث هددت موسكو باتخاذ إجراءات انتقامية ضد وسائل الإعلام الفرنسية في روسيا.
هذا وكان ، نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس عبّر عن قلقه بشأن تراجع حرية الإعلام في أوروبا. في خطاب ألقاه في مؤتمر ميونيخ للأمن في فيفري 2025، وصف فانس حرية التعبير بأنها “في تراجع” في بريطانيا وأوروبا بشكل عام.
كما انتقد فانس استخدام مصطلحات مثل “المعلومات المضللة” و”خطاب الكراهية” من قبل المسؤولين الأوروبيين، معتبرًا أنها تُستخدم لتبرير تقييد الآراء المعارضة.
تصريحات فانس أثارت ردود فعل متباينة في أوروبا. في ألمانيا، وصف المستشار فريدريش ميرتس كلامه بأنه “غير مقبول”، وأكد التزام أوروبا بالدفاع عن قيمها الأساسية من الحرية والديمقراطية.