و تم إجراء هذا الاستطلاع بتكليف من ثلاث جمعيات محلية تدعو إلى تعزيز الحكم الذاتي في منطقة ألزاس الحدودية، وهي جمعيات نشطة في الدفاع عن الهوية الثقافية والإدارية للمنطقة. وقد نُشرت نتائج الاستطلاع في موقع Ground News، الذي يتابع التطورات السياسية والاجتماعية في أوروبا بدقة.
و أظهر الاستطلاع أن نسبة 70% من السكان يرحبون بفكرة استعادة ألزاس لوضعها كمنطقة ذات حكم ذاتي، وهو ما يعكس رغبة قوية بين السكان في استرجاع خصوصيتهم الإدارية والثقافية. وأكد الاستطلاع كذلك أن 72% من المشاركين سيصوتون لصالح هذا الخيار لو أُجري استفتاء رسمي حول الموضوع.
في عام 2016، جرى دمج منطقة ألزاس مع منطقتي لورين وشامبان-أردين لتشكيل “غراند إيست”، وهي خطوة تهدف إلى تبسيط الهيكل الإداري وتحسين الفعالية الحكومية. لكن هذا الاندماج تسبب في اختفاء ألزاس كمستوى إداري مستقل، مما أثار غضبًا واسعًا بين السكان والسياسيين الإقليميين الذين شعروا بأن صوت ألزاس يُغيب في هذه التركيبة الجديدة.
و تقع منطقة ألزاس على الحدود الشرقية بين فرنسا وألمانيا، وهي منطقة ذات تاريخ معقّد ومتقلب نتيجة موقعها الاستراتيجي بين القوتين الأوروبيتين. منذ قرون، كانت ألزاس مسرحًا لصراعات مستمرة بين فرنسا وألمانيا، حيث تعاقب على حكمها ونفوذها الطرفان في عدة فترات. في القرن التاسع عشر، عقب الحرب الفرنسية-البرتغالية (1870-1871)، ضمت ألمانيا ألزاس واللورين بعد انتصارها، وهو ما أثار توترات طويلة بين البلدين. بعد الحرب العالمية الأولى، أعيدت ألزاس إلى فرنسا بموجب معاهدة فرساي عام 1919، لكنها عادت تحت الاحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، قبل أن تستعيد فرنسا السيطرة عليها مرة أخرى عام 1945. هذا التاريخ المضطرب جعل من ألزاس منطقة ذات هوية ثقافية مزدوجة، تجمع بين التراث الفرنسي والألماني، وهو ما يعكسه اليوم الحديث عن الحكم الذاتي والرغبة في الحفاظ على خصوصيتها الثقافية والإدارية بعيدًا عن الانصهار الكامل ضمن الهياكل الإدارية الأكبر مثل منطقة “غراند إيست”.
في محاولة لتلبية بعض المطالب المحلية، تأسست في 2021 “الهيئة الإقليمية الأوروبية لألزاس”، وهي كيان جديد منح صلاحيات خاصة، أبرزها تعزيز التعاون عبر الحدود مع ألمانيا المجاورة، وإدارة بعض الشؤون المحلية بشكل أكثر استقلالية. رغم ذلك، لم يهدأ الجدل حول مدى كفاية هذه الصلاحيات، حيث يطالب كثير من السياسيين والمجتمع المدني بحكم ذاتي أوسع يضمن لألزاس القدرة على تقرير مصيرها بشكل أكثر فعالية.
يواصل العديد من الفاعلين السياسيين في ألزاس الدعوة إلى انفصال منطقتهم عن “غراند إيست” والسعي نحو تأسيس كيان إداري مستقل أو حكم ذاتي موسع. يرون أن هذه الخطوة ضرورية للحفاظ على الهوية الثقافية والاقتصادية للمنطقة، فضلاً عن تحسين الخدمات والتمثيل السياسي للسكان.
يبقى السؤال الأكبر حول كيفية استجابة السلطات الفرنسية لهذه المطالب، وما إذا كانت ستسمح بمرور استفتاء رسمي يمكّن سكان ألزاس من تقرير مستقبلهم الإداري، وسط حالة من التوتر السياسي والإداري المستمرة.