شركات التكنولوجيا الكبرى تحت مجهر ترامب

في يوم تنصيب الرئيس الأميركي لعام 2025، جلس كبار قادة شركات التكنولوجيا مثل مارك زوكربيرغ (ميتا)، تيم كوك (آبل)، وسوندار بيتشاي (غوغل) في الصفوف الأمامية، بعد أن أنفقوا ملايين الدولارات وقدموا تبرعات سخية وصلت إلى مليون دولار لكل منهم، وزاروا منتجع مارالاغو الخاص بترامب، في محاولة لكسب ود الرئيس الذي كانوا يحاولون سابقًا تقويضه أو حتى إسكات صوته.

لكن بعد مرور عدة أشهر على بداية ولايته الثانية، لم تحقق تلك الاستثمارات والتبرعات المليارية التي ضختها شركات مثل OpenAI وآبل وميتا داخل الولايات المتحدة، أي منافع ملموسة. بل على العكس، تواجه هذه الشركات اليوم موجة متزايدة من التحقيقات القضائية والرقابية، خصوصًا في ملفات مكافحة الاحتكار.

تتعرض “ميتا” لدعوى قضائية من لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) تتهمها فيها باستغلال عمليات الاستحواذ لبسط احتكار في السوق. وفي الوقت نفسه، تخوض “آبل” معركة قانونية مع وزارة العدل الأميركية حول مزاعم احتكار سوق الهواتف الذكية، بينما تواجه “غوغل” دعاوى مماثلة بشأن هيمنتها في مجال الإعلان الرقمي ومحركات البحث.

مصدر مطلع على توجهات الرئيس ترامب حيال شركات التكنولوجيا وصف الموقف بقوله: “زوكربيرغ ضخ ملايين الدولارات، وكل ما حصل عليه هو التورط في قضايا قانونية”. وأضاف أن هذه الشركات لم تحصل على أي مكاسب تذكر سوى مقاعد في حفل التنصيب، رغم محاولاتها المعارضة لترشيحات ترامب لمكافحة الاحتكار في الهيئات التنظيمية، والتي فشلت في النهاية.

ويبدو أن هذه المقاعد لم تكن سوى استعراض لقوة ترامب لا أكثر، كما قال ستيف بانون، المستشار السابق لترامب: “كانوا يظنون أنهم يملكون الرئيس، لكنه بدأ بسحقهم قضائيًا وإداريًا”.

في الأشهر الأخيرة، تزايدت زيارات كبار المسؤولين التنفيذيين لشركات التكنولوجيا إلى البيت الأبيض، لكن مستشاري ترامب يدفعونه لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه هذه الشركات بعد سنوات من التوتر وسوء المعاملة، وفقًا لما نقل عن أحد مستشاريه.

ويشير التقرير إلى أن فريق ترامب يدرس اتخاذ إجراءات قانونية صارمة، من ضمنها احتمال توقيع اتفاق مع لجنة التجارة الفيدرالية يجبر “ميتا” على دفع تعويضات لمستخدمين وشركات محافظة تضررت من سياسات الرقابة الصارمة التي فرضتها الشركة أثناء جائحة كوفيد.

على الرغم من جهود “ميتا” في توظيف المزيد من الموظفين ذوي التوجهات المحافظة، وترقية جويل كابلان لمنصب رئيس الشؤون العالمية، إلا أن بعض المحللين يرون أن هذه الخطوات غير كافية. مستشار ترامب في مجال التكنولوجيا قال بحسم: “لا يمكن إصلاح هذا الوضع من خلال جمهوريي العصر السابق مثل بوش”.

من جانبه، أكد المحامي الاستراتيجي المحافظ مايك ديفيس أن ميتا أنفقت 400 مليون دولار في محاولة لإزاحة ترامب، وقضى ترامب أربع سنوات في معارك قانونية مستمرة معهم. وأضاف أن استعادة الثقة تتطلب تعويضات حقيقية للضحايا، وتوظيفًا واسعًا لمسؤولين مؤيدين لترامب، معتبراً أن ذلك يحتاج سنوات وجهودًا ملموسة لا مجرد وعود.

المحافظون لا يركزون فقط على الماضي، بل يخشون من المخاطر المستقبلية. ستيف بانون، صاحب برنامج “غرفة الحرب” المؤثر في أوساط حركة MAGA، لا يتردد في المطالبة بتفكيك شركات التكنولوجيا الكبرى مثل أمازون، فيسبوك، تويتر، وغوغل، واصفًا إياها بأنها “أخطر قوة في البلاد”.

وفي موازاة ذلك، أعرب مصدر آخر عن قلقه من أن “ميتا فرضت رقابة على الأطباء والعلماء خلال جائحة كوفيد، ما قد يكون كلف أرواحًا. والآن تحاول سرقة حقوق التأليف المتعلقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي بينما تدعي السعي للتنافس مع الصين”.

ويشير التقرير إلى أن هناك إدراكًا في الأوساط المحافظة بأن هناك نافذة زمنية قصيرة لإحداث تغييرات جوهرية، خاصة وأن العديد من كبار أصحاب النفوذ الاقتصادي والسياسي في الولايات المتحدة ينتمون إلى التيار التقدمي الديمقراطي، لكنهم تحوّلوا لدعم ترامب بعد إعلان فوزه في 2020.

وحتى بعد ترامب، لا تزال مسألة مكافحة الاحتكار على رأس الأولويات، مع تأييد خليفته المحتمل السيناتور جي. دي. فانس للجهود التي تبذلها لينا خان، رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية، المعروفة بتشددها تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى.

في النهاية، يبدو أن استثمارات عمالقة التكنولوجيا ومبادراتهم، على الرغم من قيمتها المالية الكبيرة، لم تُجنبهم المواجهة الحاسمة التي يخوضونها مع السلطة التنفيذية والهيئات الرقابية.

المصدر: نيويورك بوست

Exit mobile version