في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، تبرز تساؤلات حول نوايا إيران في استهداف البرنامج النووي الإسرائيلي، خاصة بعد تسريب وثائق إيرانية مثيرة للجدل أمس 7 جوان 2025، تكشف حصول طهران على معلومات حساسة عن منشآت نووية إسرائيلية. لم تؤكد إسرائيل أو تنفِ صحة هذه الوثائق، مما يزيد من غموض المشهد ويثير مخاوف من تحركات استخباراتية وعسكرية قد تقود إلى تصعيد خطير في الشرق الأوسط. البرنامج النووي الإسرائيلي، الذي تأسس في الخمسينيات واحتفظ بسياسة الغموض النووي حتى اليوم، يمثل ركيزة حيوية للأمن الإسرائيلي، وقد يجعل من أي تهديد ضده نقطة فاصلة قد تُعيد رسم خريطة الصراع في المنطقة.
و كشفت وسائل إعلام إيرانية عن حزمة من الوثائق التي قالت إنها تتعلق بالبرنامج النووي “الإسرائيلي”، مشيرة إلى أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية حصلت عليها عبر عملية استخباراتية غير مسبوقة. الوثائق تشمل صورًا ومقاطع فيديو وخططًا تقنية، دون تحديد دقيق لمحتواها أو تاريخها.
وقال الإعلام الإيراني أن المحتوى “منشآت وخطط نووية”، ولكن دون تحديد إذا كان ذلك يشمل منشآت مثل ديمونة أم منشآت بحثية مثل مركز سورك أو سوريك.
هذا و قُبيل التسريب، كشف الكيان العبري عن اعتُقال مواطنان “إسرائيليان” روي مزراحي و إيلموج أتياس بتهمة التجسس لصالح إيران، ما دفع البعض لتوقّع وجود ارتباط بين اعتقالهما ونقل المعلومات قبل نهاية شهر ماي 2025.
و يُعد البرنامج النووي “الاسرائيلي” من أكثر البرامج إثارة للجدل والغموض في العالم، إذ نشأ في خمسينيات القرن الماضي بدعم فرنسي وأمريكي غير مباشر، قبل أن يتحول لاحقًا إلى ركيزة استراتيجية للأمن القومي الصهيوني.
ومنذ تأسيس لجنة الطاقة الذرية سنة 1952، مرّت “إسرائيل” بمراحل تطوير متسارعة، أبرزها الاتفاق السري مع فرنسا لبناء مفاعل ديمونة، وتشغيله سنة 1963 تحت غطاء الاستخدام السلمي. لكن تقديرات استخباراتية غربية رجّحت أن “إسرائيل” شرعت منذ منتصف الستينيات في إنتاج البلوتونيوم العسكري، في ظل سياسة “الغموض النووي” التي تلتزم بها تل أبيب حتى اليوم، دون نفي أو تأكيد امتلاكها للسلاح النووي. حادثة “فلاش ڤيلا” سنة 1979 زادت الشكوك حول إجرائها اختبارًا نوويًا مشتركًا مع جنوب إفريقيا، بينما جاءت تسريبات مردخاي فعنونو عام 1986 لتكشف حجم الترسانة النووية التي قد تتراوح بين 80 و200 رأس نووي. ومع رفض “إسرائيل” التوقيع على معاهدة عدم الانتشار النووي، وعدم خضوع منشآتها للمراقبة الدولية، تبقى قدرتها النووية خارج كل الأطر القانونية، وإن كانت التقديرات تشير إلى امتلاكها وسائل إطلاق متقدمة تشمل الصواريخ والطائرات وربما الغواصات.
هذا و تشهد المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي تعقيدات متزايدة وسط ضغوط دولية وإقليمية متصاعدة. منذ انطلاق جولات الحوار في أفريل 2025، تسعى واشنطن إلى فرض قيود صارمة على برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني مقابل رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية التي تثقل كاهل الاقتصاد الإيراني. تركزت المفاوضات على مقترح أمريكي قدم في أوائل جوان 2025 يتضمن إنشاء “اتحاد إقليمي لتخصيب اليورانيوم” داخل الأراضي الإيرانية، وهو شكل من أشكال التعاون النووي المشروط الذي يعزز من قدرة الرقابة الدولية على البرنامج الإيراني مع الحفاظ على بعض السيادة لطهران. إلا أن هذا العرض قوبل برفض واضح من السلطات الايرانية و التي اعتبره انتهاكًا للسيادة ومخالفًا لمصالحها الوطنية، مؤكداً ضرورة استمرار تخصيب اليورانيوم كجزء لا يتجزأ من السياسات الوطنية الإيرانية.
على الصعيد السياسي، شهدت المفاوضات تصعيدًا في الخطاب، حيث هدد الرئيس الأمريكي باتخاذ إجراءات عسكرية إذا استمرت إيران في التخصيب إلى مستويات قد تقترب من استخدامات عسكرية، ، أعلنت إيران استعدادها لمواصلة الحوار لكنها تمسكت بحقها في تطوير برنامج نووي سلمي، مع تأكيدات من قبل مسؤولين إيرانيين على القدرة على الصمود إذا ما فشلت المفاوضات.
في نفس السياق دخلت العلاقة بين إيران والترويكا الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) مرحلة حرجة تتسم بالتصعيد السياسي والدبلوماسي. في 7 جوان 2025، أكدت طهران موقفها الرافض لأي محاولة للضغط عليها أو فرض قرارات ضد برنامجها النووي، في ظل استعداد دول الترويكا لتقديم مشروع قرار إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يدين أنشطة إيران النووية.
و أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن الاتهامات التي توجهها دول الترويكا ضد بلاده “باطلة ولا تستند إلى أدلة ملموسة”، مشيرًا إلى أن طهران سترد بقوة على أي محاولة لخرق حقوقها السيادية في تطوير برنامجها النووي. وشدد على أن إيران تلتزم بالمعايير الدولية بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) وأن جميع أنشطتها تخضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأوضحت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن عمليات تخصيب اليورانيوم التي تصل إلى نسبة 60% تتم في إطار الاستخدامات السلمية، مع وجود إشراف دولي مستمر.
على الجانب الآخر، تواجه إيران ضغوطًا متزايدة من الترويكا الأوروبية التي طالبت في تقرير سري صدر نهاية ماي 2025 بمحاسبة طهران على ما وصفته بتجاوزات خطيرة في برنامجها النووي. ذكر التقرير أن إيران جمعت حتى 17 ماي أكثر من 408 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60%، وهو ما يُعدّ مؤشرًا على اقترابها من العتبة التي تسمح بتصنيع أسلحة نووية. وقد طالبت الترويكا الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإدانة إيران رسمياً، متهمة إياها بعدم الشفافية وخرق التزاماتها الدولية.
تتزامن هذه التطورات مع انقسامات دولية حول كيفية التعامل مع إيران، حيث تؤكد دول كبرى مثل روسيا والصين على أهمية الحوار والحلول الدبلوماسية، بينما تشدد الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية على ضرورة الضغط الاقتصادي والسياسي على إيران. ويبرز الخوف من انزلاق المنطقة نحو مواجهة عسكرية نتيجة لتصاعد التوترات النووية، وهو ما يحاول المجتمع الدولي تفاديه بأي ثمن.