في السابع من جوان 1962، وقبيل إعلان استقلال الجزائر بأسابيع قليلة، ارتكبت “منظمة الجيش السري” “OAS” التابعة للاستعمار الفرنسي جريمة موثقة ضد الفكر والإنسانية، تمثلت في إضرام النيران بمكتبة الجامعة المركزية بالجزائر العاصمة. وقد خلّدت جامعة الجزائر 1 هذه الذكرى، اليوم الثلاثاء، بندوة تاريخية كشفت عن أبعاد هذا الفعل الهمجي، الذي امتد أثره الرمزي إلى وجدان الأمة الجزائرية وذاكرتها الثقافية.
مدير الجامعة، عمار حياهم، اعتبر أن الحريق كان محاولة متعمدة لمحو الذاكرة الوطنية وتدمير المرجعيات الفكرية لشعب قاوم بالوعي كما قاوم بالسلاح. ولفت إلى أن الحريق دام ثلاثة أيام كاملة، دون أي تدخل فعلي من الأعوان، الذين عمدوا – حسب شهادات – إلى توجيه خراطيم المياه نحو أجزاء غير محترقة، في محاولة لتوسيع دائرة الدمار.
من جهته، أوضح مستشار وزير التعليم العالي، سعيد صاغور، أن هذه الجريمة حملت دلالات انتقامية واضحة، استهدفت شعبًا كان على وشك انتزاع حريته رسميًا. أما رئيس اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة، محمد لحسن الزغيدي، فقد وصف الحادثة بأنها محاولة لإبادة مرجعية حضارية صنعتها الأمة الجزائرية عبر قرون.
شهادات المؤرخين كشفت تفاصيل أكثر مرارة: قنابل فوسفورية، دلاء بنزين، وخسارة مباشرة لأكثر من (400 ألف كتاب) ومخطوط من أصل (600 ألف)، في واحدة من أفظع الجرائم الثقافية التي شهدها القرن العشرون.
للاشارة “منظمة الجيش السري” (OAS) هي تنظيم ارهابي فرنسي تأسس سنة 1961 من طرف ضباط وجنود وناشطين فرنسيين متشددين، بهدف منع استقلال الجزائر بأي ثمن. لجأت هذه المنظمة إلى العنف والإرهاب لإفشال مفاوضات إيفيان بين الحكومة الفرنسية وجبهة التحرير الوطني، عبر تنفيذ عمليات اغتيال وتفجيرات استهدفت المدنيين الجزائريين وحتى المسؤولين الفرنسيين الرافضين لنهجها. ومن أبرز جرائمها حرق مكتبة الجامعة المركزية في الجزائر العاصمة يوم 7 جوان 1962، في محاولة يائسة لطمس الذاكرة الثقافية للشعب الجزائري عشية نيله الاستقلال. تُعد OAS اليوم رمزًا لإرهاب استعماري عنيف قاوم نهاية السيطرة الفرنسية بأساليب دموية ووحشية.
المصدر: وكالة الأنباء الجزائرية