بعد 15 عاماً من الانقطاع…”مسرح الغرفة” يعود إلى دمشق

استعاد “مسرح الغرفة” نشاطه في العاصمة السورية دمشق بعد انقطاع دام أكثر من 15 عاماً، ليقدم أول عروضه بعد هذا التوقف الطويل، وهو عمل “كل عار وأنتم بخير”. يجسد العرض حكاية شابين يعيشان في غرفة مستأجرة بأحد الأحياء الدمشقية، مع اختلاف كبير في الذائقة والثقافة بينهما.

يُقدم الأخوان التوأم محمد وأحمد ملص، وهما مؤلفا العرض ومخرجاه ومؤدياه، قصة شابين يمثلان الأضداد، ويتنافسان على شغل الفضاء العام للغرفة. هذه الحجرة هي جزء من بيتهما بحي العدوي، نفس المكان الذي شهد انطلاقة تجربتهما في “مسرح الغرفة” عام 2009 بأعمال بارزة مثل “ميلودراما” و”الثورة غداً تؤجل إلى البارحة”.

يعود الأخوان ملص اليوم من باريس لإعادة إطلاق التجربة بعد سقوط نظام بشار الأسد. يهدفان إلى تحويل غرفة في منزلهما إلى فضاء عمومي مشترك يستقبل جمهوراً انتقائيًا يصل عدده إلى 25 شخصًا. في هذا الفضاء، تختفي المسافة مع المتلقي، وتبدأ علاقة جديدة مع المتفرج منذ لحظة استقبال الممثلين لضيوفهما عند مدخل البناء. لحظات انتظار العرض تُعد جزءًا من الفرجة، حيث يمضي الجمهور الوقت في غرفة جانبية بالبيت، تزينها أشرطة وأقراص مدمجة لأفلام وملصقات مسرحية وسورية، وقصاصات من جرائد ومجلات قديمة، وصور من عروض التوأم السوري. بعد ذلك، يدخل المتفرجون إلى صالة تؤدي لغرفة تشبه الشرفة، جُهزت بكراسي ومقاعد بلاستيكية لاستقبال ضيوف المنزل-المسرح.

يُحقق دمج مفهوم المسرح بالبيت نجاحًا في مواجهة رقابة المسارح الرسمية، ويُعد حلاً مبتكرًا لإنشاء ما يشبه مسرحًا منزليًا، أو منزلًا مسرحيًا يقدم لزواره ضيافة فنية مختلفة. تُصبح الفرجة أكثر حميمية وقربًا، وتتحول الخشبة إلى مساحة للبوح، دون التنازل عن الشرط الفني. من هنا، يشرع بطلا العرض في سرد قصتهما بأسلوب لافت. يعتمدان لعبة زمنية كحيلة فنية، حيث يظهر الشاعر في القسم الأول بسن الستين ويواجه جنديًا عشرينيًا، ثم تنقلب الأدوار في الجزء الثاني ليصبح الجندي كهلاً ويعود الشاعر إلى شبابه.

هذا التبادل في الأدوار ليس مجرد شكل في “كل عار وأنتم بخير”، بل هو جوهر اللعبة التي ينغمس فيها الممثلان. يوسف المثقف، الذي أمضى شبابه في المعتقل، يعاني فقدان حبيبته التي تزوجت بآخر. ميس، التي تعرضت للاغتصاب أمام حبيبها، ظلت صورتها عالقة في ذهن الشاعر. وعلى غرار ذلك، حلا حبيبة الجندي الذي اضطره خوفه لإطلاق النار على المتظاهرين، ففقدها للأبد. يجري الشاعر والجندي مكالمة هاتفية مع حبيبتهما، كل على حدة. الشاعر يتمنى عودة الزمن 50 عامًا للوراء، بينما يتمنى الجندي تقدم الزمن 50 عامًا للأمام. في هذا اللعب بالزمن، تتحول ملامح الشاعر الهرم إلى الفتوة، فيما يتقهقر الجندي في صورة جنرال مهزوم، وذاكرته مثقلة بضحايا المظاهرات ضد النظام.

لا يوجد زمن واضح، كما يُشير التعليق الصوتي في بداية العرض، لكن المبارزة الكلامية للشخصيتين تُسقط الكثير عن القمع، سواء كان عسكريًا أو دينيًا. في هذا المناخ من الفعل ورد الفعل، ينمو الصراع بين شاعر وجندي، وتتداعى عشرات الأسماء والشخصيات الثقافية: محمد الماغوط، محمود درويش، غادة السمان، والإمام الشافعي، بالإضافة إلى جهاد سعد، سمر سامي، هاروكي موراكامي، سارتر، وبول إيلوار، حيث يقول الأخير على لسان شخصية نزار: “ليس هناك صدف، دائماً هناك مواعيد”. هذه المقولة يعتمدها العرض في اللعب مع أقدار الشخصيات، سواء الشاعر أو الجندي، أو عشيقتاهما، أو حتى تلك الشخصيات المذكورة في الحوار اللاهث، الذي يتوهج بعفوية وحرية.

Exit mobile version