Afreximbank…الجزائر في قلب الاستثناء المالي الإفريقي

في سياق تتعالى فيه مؤشرات الضغط المالي والديون الخارجية في عدد من الدول الإفريقية، يسلّط تقرير بنك Afreximbank لشهر ماي 2025 الضوء على الجزائر كنموذج استثنائي في القارة، من حيث متانة موقعها المالي واستقلالية سياستها الاقتصادية، وفقًا لما ورد في النشرة الشهرية المعنونة بـ “التطورات الشهرية في البيئة الاقتصادية الكلية الإفريقية”.

تشير المعطيات الواردة في التقرير إلى أن الجزائر تُعد من بين الدول القليلة في إفريقيا التي لا تعتمد على التمويل الخارجي لتمويل مشاريعها التنموية، وهو ما يُترجم في غياب ضغوط خدمة الدين الخارجي التي ترهق العديد من بلدان القارة. ويبدو من الوثيقة أن هذا النهج يمنح الجزائر هامشًا واسعًا في اتخاذ قرارات اقتصادية مستقلة بعيدًا عن إملاءات الدائنين والمؤسسات الدولية.

تشير تقديرات Afreximbank إلى أن الجزائر تمتلك احتياطيات من العملة الصعبة تغطي ما يعادل 17 شهرًا من الواردات، وهي نسبة تتجاوز بكثير المعدل الإفريقي، حيث لا يتعدى هذا الرقم 3 أشهر في العديد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء. هذه القدرة على تغطية الواردات تمنح الجزائر حصانة نسبية ضد تقلبات السوق العالمية، خصوصًا في ظل اضطرابات أسعار الطاقة والغذاء.

أبرز التقرير أن الجزائر تنتمي إلى دائرة ضيقة من الدول التي نجحت في الحفاظ على توازن مالي مستدام، على غرار ليبيا وموريشيوس، في وقت تعاني فيه غالبية دول القارة من مديونية مرتفعة واحتياطيات ضعيفة، ما يعرقل مسارات التنمية ويزيد من هشاشة الاقتصاد أمام الصدمات الخارجية.

يُفهم من مضمون التقرير أن الوضعية المالية المريحة للجزائر ليست وليدة الظرف، بل نتيجة مسار من السياسات الحذرة التي اعتمدتها البلاد بعد الأزمة النفطية التي عصفت باحتياطاتها في السنوات السابقة. فإلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة مؤخرًا، ساهمت سياسات ترشيد النفقات والرقابة على الاستيراد في إعادة بناء قاعدة مالية صلبة.

في ظل هذا السياق المالي المستقر، تفتح الجزائر آفاقًا لتعزيز استثماراتها العمومية ومشاريعها الكبرى، دون الارتهان للأسواق المالية الخارجية. كما يشير التقرير إلى أن الموقع الجغرافي للجزائر يؤهلها للعب دور محوري في التبادلات التجارية الإفريقية، خاصة إذا تم تعزيز التكامل الاقتصادي عبر اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية.

تشير المعطيات الواردة في تقرير Afreximbank إلى أن الجزائر تحتل موقعًا استثنائيًا في القارة الإفريقية، بفضل توازنها المالي وغياب ضغوط المديونية الخارجية. إلا أن التحدي الحقيقي، كما يبدو، يتمثل في الحفاظ على هذا الموقع وتعزيزه من خلال تنويع الاقتصاد وتطوير الإنتاج الوطني، بعيدًا عن الاعتماد الحصري على ريع المحروقات.

من هو البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير ؟

البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير (Afreximbank) هو مؤسسة مالية إفريقية متعددة الأطراف تأسست سنة 1993، ويقع مقرّه الرئيسي في العاصمة المصرية القاهرة. أنشئ البنك بموجب اتفاق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، ويُعد أحد أبرز الأدوات المالية التي تهدف إلى تعزيز التجارة البينية داخل القارة الإفريقية وتوسيع الصادرات الإفريقية نحو الأسواق العالمية.

يلعب Afreximbank دورًا محوريًا في دعم النمو الاقتصادي القاري عبر تقديم حزمة واسعة من الخدمات، تشمل تمويل الصادرات والواردات، تأمين المعاملات التجارية ضد المخاطر السياسية والتجارية، تمويل سلاسل التوريد، ودعم مشاريع البنية التحتية الصناعية التي تُعد أساسية لتحقيق التكامل الإفريقي. كما يساهم البنك في إطلاق مبادرات استراتيجية مثل نظام الدفع الفوري الإفريقي (PAPSS) الذي يُسهل التبادلات المالية بين الدول الإفريقية باستخدام العملات المحلية، ومنصة “مانسا” (MANSA) التي توفر قاعدة بيانات موحدة للمؤسسات الإفريقية لتعزيز الشفافية وتسهيل الاستثمار.

يتمتع Afreximbank بعضوية واسعة تشمل أكثر من 50 دولة إفريقية، إلى جانب مساهمات من مؤسسات إقليمية ودولية، وهو يعمل ضمن منظومة مالية تستند إلى مبادئ الحوكمة الرشيدة، ويخضع لتقييمات وتصنيفات ائتمانية من وكالات دولية. من خلال تقاريره الشهرية مثل “تطورات الاقتصاد الكلي الإفريقي”، يقدّم البنك تحليلات معمّقة حول الاتجاهات الاقتصادية في القارة، وهو ما يجعله مرجعًا رئيسيًا لصنّاع القرار والمستثمرين في إفريقيا.

Exit mobile version