أشارت تقارير إلى أن الصين باتت تمتلك أكبر عدد من شاشات السينما في العالم، مستحوذة على (42%) من الإجمالي العالمي، متقدمة على أوروبا (20%) والولايات المتحدة (18%). ورغم هذا الانتشار، سجّل عام 2024 أول تراجع عالمي ملحوظ في عدد التذاكر المبيعة منذ ما بعد جائحة كورونا، بانخفاض قدره (500 مليون تذكرة) مقارنة بـ2023، أي ما يعادل (8.8%).
المرصد الأوروبي للوسائط السمعية والبصرية كشف أن مبيعات التذاكر العالمية بلغت (4.8 مليار تذكرة) بإيرادات قاربت (28 مليار يورو)، أي نحو 68% فقط مما كانت عليه في 2019. ويبدو أن هذا التراجع يعكس تحوّلًا هيكليًا في سلوك الجمهور أكثر منه ظرفًا عابرًا.
أزمة هيكلية تتجاوز الجغرافيا
الانخفاض لا يقتصر على الصين فحسب، بل أصبح ظاهرة عالمية. ففي الولايات المتحدة مثلًا، تراجع عدد دور العرض من (41 ألفًا) عام 2019 إلى (35 ألفًا) فقط هذا العام. حتى أوروبا التي تسجل عادة معدلات ارتياد مرتفعة، شهدت تراجعاً باستثناء دول مثل فرنسا وإيرلندا.
وتشير التقديرات إلى أن هذا التراجع لا يرتبط بدولة بعينها، بل هو نتيجة لتغيرات ثقافية واقتصادية متراكبة، أبرزها توسع المنصات الرقمية، وتغيّر أولويات الإنفاق، لا سيما بعد أزمة كوفيد-19.
جيل Z وAlpha: جمهور جديد بقواعد مختلفة
يمثل الجيل Z نحو (2.5 مليار نسمة) من سكان العالم، بينما يُقدَّر الجيل Alpha بنحو (2 مليار)، وهما يمثلان أكبر قاعدة جماهيرية للسينما في الحاضر والمستقبل. لكن المشكلة أن هذا الجمهور لا يُفضّل الأفلام الطويلة أو تجربة القاعات المظلمة.
هذان الجيلان نشآ في عالم تهيمن عليه السرعة، والمحتوى المختصر، والبث عند الطلب. تراجعت لديهم عادة الذهاب إلى السينما، واستُبدلت بمشاهدة فردية قصيرة من خلال الهاتف أو التلفاز الذكي. في المقابل، ارتفعت شعبية “المسلسلات القصيرة” ذات الـ7 أو 8 حلقات، والتي تحقق نجاحًا عالميًا وتتناسب مع إيقاعهم المتسارع.
وفي الوطن العربي… فجوة في البنية وسلوك المشاهدة
رغم أن مصر تُعد من الدول الرائدة عربيًا في الإنتاج السينمائي، إلا أن البنية التحتية ما تزال غير كافية. ووفق دراسة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية (2020)، فإن هناك شاشة سينما واحدة لكل (260 ألف مواطن) في مصر، وشاشة لكل (561 ألفًا) في المغرب.
هذه الفجوة في عدد القاعات، إلى جانب ضعف السياسات الثقافية، أسهمت في تقليص تجربة السينما بوصفها “نزهة جماعية”. ومع توسع المنصات الرقمية، بات جمهور عربي واسع يستهلك المحتوى السينمائي من منزله، ما أعاد تعريف “الفرجة” خارج إطار القاعة التقليدية.
منصات وتيمات مكررة: صناعة على المحك
يقول الناقد أمجد جمال إن “طقوس المشاهدة تغيّرت، والسينما باتت تنافس أشكالًا جديدة من الترفيه، بما فيها المحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي”. ويضيف أن كتّابًا متميزين هجَروا السينما نحو المسلسلات، التي صارت تضمن انتشارًا أوسع.
في المقابل، تعتمد كثير من شركات الإنتاج السينمائي على تيمات مضمونة تجاريًا كالأبطال الخارقين والأكشن، ما أفقد الجمهور حماسته. ويشير جمال إلى أن “السينما لن تنتهي، لكنها ستتغير جذريًا في الشكل والتوزيع والاستهلاك”.