الجزائر وسيط ظل بين واشنطن وطهران ؟

في خضم التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، عقب التصعيد العسكري المتبادل وتهديد أمن الملاحة في الخليج، تعود إلى الواجهة التساؤلات حول إمكانية تدخل وسطاء إقليميين ودوليين لتهدئة الأوضاع. وفي هذا السياق، يبرز اسم الجزائر مجددًا كطرف موثوق يمتلك رصيدًا دبلوماسيًا محترمًا وتجربة تاريخية ناجحة في الوساطة، لاسيما خلال أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران عام 1981. فهل يمكن للجزائر اليوم أن تستثمر حيادها وعلاقاتها الثنائية مع الطرفين لفتح نافذة حوار جديدة تقي المنطقة خطر الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة؟

في خضم إحدى أعقد أزمات الحرب الباردة، وبينما كانت واشنطن وطهران تتبادلان الاتهامات في ملف احتجاز 52 دبلوماسيًا أمريكيًا في طهران، برزت الجزائر كفاعل دبلوماسي هادئ ومؤثر، نجح في تحقيق ما فشلت فيه عواصم كبرى: التوصل إلى تسوية مقبولة تنهي الأزمة دون مواجهة مفتوحة.

وقد لعبت الجزائر في أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين في إيران (4 نوفمبر 1979 – 20 يناير 1981)، دورًا محوريًا كوسيط محايد وموثوق، إثر طلب الطرفين تقديم خدمات “good offices”، مما مكن من فتح قنوات اتصال بديلة ونهائية بين واشنطن وطهران، رغم انقطاع علاقاتهما الدبلوماسية.

في 3 نوفمبر 1980، سلم وزير الخارجية الجزائري محمد صديق بن يحيى رسائل رسمية من إيران تفيد “استعدادها للتفاوض عبر الجزائر”، وقد اعترف مساعد قانوني في وزارة الخارجية الأمريكية باستلام الطرفين تلك الرسائل عبر الجزائر دون أي اتصال مباشر بينهما.

كون الجزائر تمتلك علاقات دبلوماسية مع الطرفين، فقد أسست لجنة طيران تضم كبار الدبلوماسيين مثل عبد الكريم غريّب، رضا مالك، مصطفى سيغير مصطفاي، ووزير الخارجية بن يحيى، لتولي نقل رسائل ومقترحات بين طهران وواشنطن .

أكبر عقبة كانت قيمة الأصول الإيرانية المجمدة (بالنقد، الذهب، سندات الخزانة الأمريكية). تفاوض الوسطاء الجزائريون مع طهران لتخفيض مطالبها من 24 مليار دولار إلى حوالي 12 مليار، وتوصلوا إلى آلية عبر صندوق ضمان محايد يديره بنك الجزائر المركزي في لندن (escrow account)، يُصرف عند الإفراج عن الرهائن .

بعد سلسلة متقلبة من المفاوضات، تم تحويل حوالي 7.955 مليار دولار من الأصول إلى حساب الضمان، ما فتح الطريق لتحرير 52 رهينة أمريكيًا في 19–20 يناير 1981 بموجب اتفاق الجزائر .

وقع الطرفان اتفاق الجزائر في مقر إقامة السفير الأمريكي بالعاصمة الجزائرية، تضمن:

  1. التزام أمريكا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية؛
  2. رفع تجميد الأصول؛
  3. إحالة كافة القضايا القضائية إلى التحكيم الدولي عبر محكمة مطالبات مشتركة؛
  4. ضمانات بخصوص ممتلكات الشاه .

من نتائج الاتفاق تأسيس محكمة مطالبات إيران–الولايات المتحدة (Iran–United States Claims Tribunal) لتسوية الدعاوى القضائية المتبادلة، وكلفت الجزائر بإدارة آلية ضمان تنفيذ القرارات الماليّة

في 20 جانفي 1981، أقلعت طائرات تابعة للخطوط الجوية الجزائرية تحمل الرهائن إلى الجزائر العاصمة، قبل انتقالهم إلى الولايات المتحدة، مع نهاية عهد كارتر وبداية عهد ريغان .

هناك تقدير واسع للجزائر، حيث وصفها الدبلوماسي الأمريكي جون ليمبرت (أحد الرهائن المحررين) بأنها “مثال على العمل الإنساني والدبلوماسي” . كما أكد الرئيس كارتر أن جهود الجزائر “جسّدت العدل والدقة” .

الوساطة الجزائرية، من خلال لجنة طيران وكبار الشخصيات، كانت السبب الحاسم في تجاوز الانسداد الحاصل، بما رفع قيم المطالب المالية وضمن تحقيق شروط الإفراج عن الرهائن.

التنسيق المالي والإجرائي عبر بنك الجزائر ومصرف الضمان كان نقطة تحول لحسم أزمة عالقة منذ شهور.

الاتفاق القضائي والتأسيس لمحكمة مطالبات مشتركة مثلت إرثًا دبلوماسيًا، أبرز دور الجزائر كوسيط نزيه في الأزمة الدولية.

Exit mobile version