الجغرافيا العسكرية بين إيران و”إسرائيل” بالأرقام

في قلب التوتر المتصاعد بين إيران و”إسرائيل”، لا تقتصر عناصر القوة والتأثير على عدد الصواريخ أو تحالفات السياسة، بل تلعب الجغرافيا نفسها دورًا محوريًا في صياغة قواعد الاشتباك، ومعادلات الردع. وبين دولة تمتد على آلاف الكيلومترات، وأخرى محصورة بين بحر وعدد محدود من الجيران، يتضح أن التفاوت الجغرافي قد لا يحسم الصراع، لكنه يحدده بشكل جذري.

تبلغ مساحة إيران حوالي 1,648,000 كيلومتر مربع، ما يجعلها أكبر من “إسرائيل” بـ75 مرة تقريبًا. كما أن عدد سكانها يُقدَّر بنحو 88 مليون نسمة، أي ما يعادل 9 أضعاف عدد سكان إسرائيل البالغ حوالي 9.9 ملايين نسمة.

وتجاور إيران سبع دول برًّا (العراق، تركيا، باكستان، أفغانستان، أرمينيا، أذربيجان، تركمانستان)، إضافة إلى إشرافها على الخليج العربي وبحر قزوين. يمنحها هذا الموقع قدرة استراتيجية على المناورة والتموقع والتوسع الإقليمي، كما أن عمقها الداخلي يجعل الوصول إلى منشآتها الحساسة أمرًا بالغ الصعوبة، خاصة أنها موزعة في مناطق جبلية ونائية (مثل منشآت نطنز وفوردو).

تبلغ مساحة “إسرائيل” حوالي 22,000 كيلومتر مربع فقط، وهي دولة أصغر بـ75 مرة من إيران. كما يقدَّر عرضها الجغرافي الأقصى من البحر المتوسط حتى حدود الأردن بنحو 115 كلم فقط، وفي بعض المناطق لا يتجاوز 70 كلم، ما يجعلها من الدول الأكثر هشاشة جغرافيًا في أي مواجهة ممتدة.

تحيط بها أربع دول فقط: لبنان وسوريا والأردن ومصر، وتشرف على البحر المتوسط. هذا الموقع يجعلها أكثر انكشافًا، لكنها تعوّض هذا الضعف عبر شبكة دفاع جوي متطورة تشمل “القبة الحديدية”، و”مقلاع داود”، و”حيتس”، إضافة إلى تفوق استخباراتي وتقني واضح.

المسافة الجوية المباشرة بين طهران وتل أبيب تبلغ نحو 1,600 كلم.

لكن إيران تقلّص هذه المسافة فعليًا عبر تموضع حلفائها في لبنان (حزب الله)، سوريا (مواقع عسكرية)، والعراق (الحشد الشعبي)، ما يجعلها قادرة على الضغط من مسافات أقرب بكثير.

و تكشف المعادلة الجغرافية أيضًا عن فارق زمني لافت في قدرات الوصول العسكري بين الطرفين. فعلى سبيل المثال، تحتاج الطائرات الإسرائيلية  رغم تفوقها التكنولوجي إلى جهد حربي معقد ومكلف لشن أي هجوم على العمق الإيراني. – حتى تلك ذات المدى البعيد – إلى 45 دقيقة على الأقل لاجتياز المسافة من قواعدها إلى الحدود الغربية لإيران، مع ضرورة المرور في أجواء قد تكون معادية أو خاضعة لمراقبة متشددة.

في المقابل، تمتلك إيران القدرة على توجيه ضربات صاروخية انطلاقًا من أراضيها، عبر صواريخ تقليدية أو فرط صوتية، ما يجعل عنصر المباغتة أكثر ترجيحًا في صالحها. فصاروخ واحد بسرعات تتجاوز 10 ماخ يمكنه بلوغ أهداف داخل “إسرائيل” خلال أقل من 10 دقائق، وهو ما يُقلّص زمن رد الفعل الإسرائيلي إلى هامش زمني بالغ الضيق.

هذا التباين في “زمن الوصول” و”كلفة الوصول”، يفرض تحديًا استراتيجيًا على صانعي القرار العسكري في “تل أبيب”، ويُبقي ميزان الردع مرتهنًا بمدى القدرة على امتصاص الضربة الأولى، أو منعها من الأساس.

بالمقابل، تسعى “إسرائيل” إلى توسيع عمقها السياسي والعسكري من خلال التحالفات الإقليمية، مثل اتفاقات التطبيع، والتعاون مع الولايات المتحدة في مجالات الردع والاستخبارات، إلى جانب انخراطها في مواجهات استباقية ضد نفوذ طهران في سوريا ولبنان.
تكشف المقارنة أن إيران تتمتع بتفوق جغرافي ساحق من حيث المساحة والعمق والامتداد الحدودي، ما يمنحها حرية أكبر في التموضع والرد الاستراتيجي. في المقابل، تراهن “إسرائيل” على تفوقها النوعي والتقني، وسرعة الحركة، وشبكة تحالفات غربية وعربية لتعويض ما تفتقر إليه من عمق ومساحة.

وبين جغرافيا مترامية وموقع ضيق محصن، تتواصل المواجهة بصيغ غير مباشرة، ويبدو أن الميدان الجغرافي لا يزال لاعبًا صامتًا لكنه شديد التأثير في أي تحول عسكري أو سياسي قادم.

Exit mobile version