باسم يوسف.. الطبيب و الإعلامي الذي جرّد الصهيونية من قناعها النفسي

في ظهوره اللافت ضمن برنامج “Piers Morgan Uncensored”، واجه الطبيب و الإعلامي الساخر والمحلل السياسي باسم يوسف المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي، جوناثان كونريكوس. الحلقة التي سرعان ما تحولت إلى ساحة جدل محتدم، عرّت منطق الرواية الإسرائيلية بشأن الحرب على غزة.

و في مواجهة الخطاب الاعلامي الغربي  قدم باسم يوسف فعلًا جديدًا أطلق عليه “الصهينة”، في إشارة إلى سلوك إنكاري متكرر تتبعه الرواية “الإسرائيلية”، يقوم على تجاهل الحقائق الواضحة أو تبريرها بمنطق مقلوب. وبهذا، لم يكن باسم يوسف يهاجم إسرائيل فحسب، بل كان يسلّط الضوء على الرواية الغربية التي تحاول التضليل بالنسبة لحرب الابادة التي يمارسها الاسرئليون في حق الفلسطنيين  منذ 7 اكتوبر 2023.

وفي منحى أكثر عمقًا وسخرية، استعار باسم يوسف قبعة الطبيب لا للزينة، بل لتشخيص الحالة الإسرائيلية بأسلوبه الخاص، مُدرجًا ما أسماه “الصهينة” ضمن الأعراض السريرية التي قد تصنّف نفسيًا، مشبّهًا إياها باضطرابات مثل الفُصام (الشيزوفرينيا)، حيث تعيش الرواية الرسمية في حالة انفصام بين الوقائع على الأرض والخطاب السياسي والإعلامي الموجّه. بالنسبة ليوسف، فإن القدرة على نفي المجازر بينما تبثها الكاميرات مباشرة، أو الادعاء بالتهديد الوجودي من قبل سكان محاصرين بلا ماء ولا كهرباء، ليس سوى سلوك مرضي يجب التعامل معه على هذا الأساس.

يوسف، المعروف بخطابه الساخر والدقيق، استخدم حسه الفكاهي كسلاح لتفكيك الرواية الاعلامية الكاذبة والتي تحاول تصوير سكان غزة كتهديد أمني دائم. وأبرز في مداخلته أن معاناة الغزيين لا يمكن اختزالها في شعارات إعلامية، مؤكدًا أن الجوع والدمار لا يحتاجان إلى “تجميل بل تنديد عالمي”.

كونريكوس، من جانبه، حاول الدفاع عن موقف بلاده، متحدثًا عن “رد ضروري” في مواجهة ما أسماه بـ”الهجمات الفلسطينية”، إلا أن مداخلته لم تصمد كثيرًا أمام سلسلة من الأسئلة الدقيقة التي طرحها يوسف، والتي كشفت تناقضًا واضحًا في المواقف الإسرائيلية الرسمية.

يبدو من الحلقة أن الصراع الإعلامي لا يقل شراسة عن الصراع السياسي والعسكري، فالكلمات باتت جزءًا من جبهات الحرب الحديثة، والحلقات مثل هذه تضع المتلقي أمام مسؤولية التمحيص بدل التلقي السلبي.

و شهدت حلقات باسم يوسف مع الإعلامي البريطاني بيرس مورغان تفاعلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية الغربية، حيث اعتُبرت بمثابة كسر للسردية التقليدية حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في البرامج الحوارية. وتركزت ردود الفعل خصوصاً على أسلوب يوسف الذي مزج بين السخرية والتحليل، مما أتاح له طرح قضايا حساسة مثل ازدواجية المعايير، ومعاداة السامية، وصهينة الإعلام، بلغة مفهومة ومؤثرة لدى الجمهور الغربي. ووصفت صحف بريطانية وأمريكية، منها The Independent وVariety، الظهور بأنه “لحظة فارقة” في الإعلام البديل، معتبرة أن يوسف استطاع في دقائق معدودة تقويض روايات راسخة تُقدَّم عن الفلسطينيين في وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية، دون الوقوع في فخ الخطاب التحريضي أو التبريري.

للتذكير باسم يوسف، طبيب قلب مصري تحوّل إلى أحد أبرز الوجوه الإعلامية الساخرة في العالم العربي، وُلد في القاهرة عام 1974 وتخرّج من كلية الطب بجامعة القاهرة عام 1998، قبل أن يكمل دراسته ويعمل في مجال جراحة القلب داخل وخارج مصر. انطلاقته الإعلامية جاءت بشكل غير متوقع خلال ثورة 25 يناير 2011، حين أطلق سلسلة حلقات ساخرة على يوتيوب بعنوان “The B+ Show”، تناول فيها المشهد السياسي المصري بطريقة جريئة وساخرة، ما أكسبه شعبية هائلة دفعت بقناة “أون تي في” للتعاقد معه لإطلاق برنامج “البرنامج” الذي تحول لاحقًا إلى علامة فارقة في الإعلام العربي.

برنامج “البرنامج”، الذي استُلهم جزئيًا من نموذج جون ستيوارت الأميركي، جمع بين النقد السياسي والكوميديا السوداء، ونجح في كسر الكثير من المحرّمات الإعلامية.

سافر اسم يوسف الى أميركا عام 2014، حيث واصل نشاطه، فشارك في مؤتمرات وجامعات مرموقة مثل هارفارد، وكتب كتابًا بعنوان “ثورة للمبتدئين” (Revolution for Dummies)، كما خُصص له فيلم وثائقي بعنوان “Tickling Giants” يوثّق رحلته الاستثنائية. كما ظهر في العديد من البرامج العالمية، وواصل تقديم عروض كوميدية بالإنجليزية تناول فيها قضايا الشرق الأوسط والشتات العربي والغربة، مع التركيز على مواضيع الهوية، والسياسة الأميركية تجاه العالم العربي، وازدواجية المعايير.

اليوم، باسم يوسف يُعد من الأصوات العربية النادرة التي دمجت بين الخلفية العلمية الصارمة، والجرأة السياسية، والفكاهة التثقيفية، مما جعله حالة إعلامية فريدة في التاريخ المعاصر للمنطقة.

Exit mobile version