وثائقي عن أحفاد المنفيين إلى كاليدونيا الجديدة: عندما تعود الذاكرة إلى الوطن

استقبل وزير الداخلية ، إبراهيم مراد، المنتج والمخرج السعيد عولمي، الذي يعمل على إنجاز وثائقي يتناول العودة الرمزية لأحفاد الجزائريين المنفيين من كاليدونيا الجديدة خلال الاحتلال الفرنسي.

مبادرة الوثائقي الذي يتطرق لعودة أحفاد الجزائريين المنفيين من كاليدونيا الجديدة الى الجزائر جاءت لتوثيق مسار هؤلاء الأحفاد، الذين قاموا بجولة عبر عدد من ولايات الوطن، تعبيرًا عن ارتباطهم بجذورهم وامتنانهم لرعاية الدولة الجزائرية لذاكرة المنفيين.

و خلال اللقاء، استعرض إبراهيم مراد، أهم المحطات التي ميزت زيارة الوفد الجزائري القادم من كاليدونيا الجديدة، لا سيما زيارتهم للجدارية التذكارية التي دشنت سنة 2021، تكريمًا لضحايا النفي الاستعماري. وقد أعرب الوفد عن تأثره الشديد بالمبادرات الرمزية التي تحفظ الذاكرة الوطنية، وثمّن التسهيلات التي وفرتها السلطات المحلية ومصالح الأمن الوطني أثناء إقامتهم.

للاشارة  في أواسط القرن التاسع عشر، لجأت فرنسا الاستعمارية إلى سياسة النفي القسري كوسيلة لإسكات المقاومة الجزائرية، فأبعدت مئات المقاومين وأسرهم إلى مستعمرة كاليدونيا الجديدة الواقعة في جنوب المحيط الهادئ. بدأت هذه الموجات من النفي بعد قمع ثورة الشيخ الحداد ومحمد المقراني سنة 1871، التي اعتُبرت من أعنف الانتفاضات الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي بعد سقوط الجزائر العاصمة.

وفق الوثائق الفرنسية والأرشيفات المحلية، تم نفي ما يقارب 2100 جزائري ما بين عامي 1864 و1897. تم اقتيادهم في ظروف قاسية على متن سفن شحن عسكرية من ميناء الجزائر أو بجاية، في رحلة بحرية قد تستغرق نحو 120 يومًا. كان العديد منهم مقيدًا بالسلاسل، يتكدسون في عنابر مظلمة، ويتعرضون للأوبئة وسوء التغذية، مما أدى إلى وفيات في الطريق.

عند الوصول، وُزع المنفيون على عدة مواقع أبرزها جزيرة “بين” (Île des Pins) و”كامب برون” قرب نوميا، حيث خضعوا لنظام عمل قسري، يزاوج بين الأشغال الشاقة في المناجم والطرقات والزراعة. حُرموا من التعليم الديني، ومُنعوا من الحديث بالعربية أو الأمازيغية، وفرضت عليهم محاولات الإدماج القسري ضمن النموذج الاستعماري.

للتذكير كاليدونيا الجديدة هي أرخبيل يقع في جنوب المحيط الهادئ، شرق أستراليا، وتعد إقليمًا فرنسيًا ما وراء البحار يتمتع بحكم ذاتي واسع. تمثل هذه الجزر واحدة من أبعد نقاط الأرض عن الجزائر، إذ تبعد عنها بحوالي 17,000 كيلومتر، أي ما يعادل أكثر من 20 ساعة طيران متواصلة، وفق المسارات الجوية المعتادة.

في أواخر القرن التاسع عشر، استخدم الاستعمار الفرنسي كاليدونيا الجديدة كمستعمرة عقابية، حيث نُفي آلاف الجزائريين، خاصة بعد ثورة الشيخ المقراني سنة 1871، إلى هذه الجزر النائية، كعقوبة على مقاومتهم للاحتلال. وقد جُرّدوا من ممتلكاتهم وهويتهم، ونُقلوا في ظروف مأساوية، ليُجبروا على العمل في الأشغال الشاقة أو الاستقرار القسري بعيدًا عن وطنهم الأم.

لا تزال آثار هذا المنفى قائمة حتى اليوم، حيث تعيش في كاليدونيا الجديدة جالية من أحفاد المنفيين الجزائريين، يحتفظ كثير منهم بصلات روحية وثقافية مع الجزائر، ويسعون لاستعادة الروابط مع أرض أجدادهم رغم المسافات الشاسعة.

Exit mobile version