تشير معطيات سياسية وتحليلات أكاديمية حديثة إلى تصدّع داخلي متزايد في الحزب الجمهوري الأميركي، بعدما نجح دونالد ترامب في تحويله إلى حزب يدور حول شخصيته وقراراته الفردية. ووفق قراءة قدمتها الأكاديمية ليلى نيقولا، فإن هذا التحول أفرز جناحًا يمينيًا مؤثرًا يعارض بوضوح التدخلات العسكرية الخارجية ويدعو للتركيز على الشؤون الداخلية الأميركية.
وبينما عُرف عن ترامب ميوله لتجنّب الحروب المفتوحة والاكتفاء بسياسات الضغط الاقتصادي، بدأت أصوات داخل الجناح الجمهوري المحافظ تطرح تساؤلات حادة بشأن انسياق الولايات المتحدة وراء أجندات الحرب الإسرائيلية في الشرق الأوسط. وتحديدًا، برزت مواقف تنتقد “انجرار ترامب خلف نتنياهو”، في وقت لم يعد فيه النظام التحذيري الإسرائيلي يمنح أكثر من 10 دقائق قبل سقوط صواريخ إيرانية محتملة، ما يعكس تبدلًا في موازين الردع الإقليمي.
وترى خبيرة العلاقات الدولية الدكتورة نيقولا أن هذا الجناح الرافض للتورط في حروب طويلة، قد يشكل عامل ضغط حاسم يدفع ترامب في حال عودته إلى البيت الأبيض نحو تبنّي خيار التهدئة وربما التوجه نحو اتفاق تاريخي مع إيران. أما في حال هيمنة تيار الحرب داخل الدوائر السياسية الأميركية والإسرائيلية، فقد يُدفع ترامب للمواجهة، تحت ذريعة “حسم الأمور نهائيًا”، وهو ما من شأنه أن يفتح أبواب نزاع واسع النطاق في المنطقة.
و تشير الدكتورة ليلى نقولا إلى أن موازين القوى داخل الولايات المتحدة وبينها وبين إسرائيل تمر بمرحلة حساسة، فبينما يُحتمل أن يسعى دونالد ترامب إلى تحقيق “اتفاق تاريخي” مع إيران إذا ما تمكن الجناح المناهض للحروب داخل الحزب الجمهوري من فرض ضغط كافٍ عليه، فإن السيناريو الآخر لا يُستبعد أيضًا. فبحسب تحليلاتها، قد تنجح بعض اللوبيات القوية، المرتبطة بمصالح نتنياهو واليمين الإسرائيلي، في دفع ترامب نحو خيار أكثر تصعيدًا، يتمثل في الانخراط في مواجهة تهدف إلى إسقاط النظام الإيراني بشكل نهائي. ترى نيقولا أن هذا الاحتمال، إن حدث، سيقود الولايات المتحدة إلى حرب طويلة ومعقدة، تتجاوز الحسابات الانتخابية والآنية، وقد تكون لها تداعيات استراتيجية خطيرة على الاستقرار الإقليمي والدولي.
و للاشارة يمثّل شعار “أمريكا أولًا” (America First) أكثر من مجرد خطاب انتخابي لدونالد ترامب، بل تحوّل إلى توجه أيديولوجي متكامل داخل الحزب الجمهوري، يُعرف بوضوح داخل الأوساط السياسية بـ الجناح القومي المحافظ أو حتى الانعزاليين الجدد، وهي تسميات يستخدمها بعض المراقبين والنقاد لتوصيف هذا التيار المتنامي. يُعرف هذا الجناح أيضًا بـ الترامبيين (Trumpists)، نظرًا لارتباطه الوثيق بشخص ترامب ونهجه السياسي.
يتّسم هذا التيار بعدّة ملامح بارزة، أبرزها رفض التدخلات الخارجية ومعاداة الحروب، والتركيز على دعم الاقتصاد الداخلي وحماية الطبقة العاملة الأميركية. كما يتبنى هذا التيار موقفًا مشككًا في جدوى التحالفات الدولية التقليدية، مثل حلف الناتو، ويرفض سياسات “تغيير الأنظمة” أو تمويل النزاعات الخارجية التي لا تخدم المصالح الأميركية المباشرة. ويعبّر بعض رموزه كذلك عن تحفظات تجاه النفوذ الإسرائيلي أو الأجنبي في القرار السياسي الأميركي.
وفي ظل التصعيد في الشرق الأوسط، يظهر هذا الجناح كقوة ضاغطة داخل الحزب الجمهوري تسعى إلى منع انجرار الولايات المتحدة نحو حرب قد تخدم مصالح بنيامين نتنياهو أكثر مما تخدم الأمن القومي الأميركي، وهو ما أكدت عليه تحليلات مثل تلك التي قدمتها الباحثة ليلى نقولا في مداخلتها الأخيرة، حيث لفتت إلى تزايد الأصوات الرافضة لتوريط واشنطن في نزاعات إقليمية لا تخدم “أمريكا أولًا”.
المصدر: OTV اللبنانية + الصحفي