ياسمينة بلقايد، ابنة الجزائر والعالِمة المتألقة في مجال المناعة، تسطّر إنجازًا تاريخيًا جديدًا بانضمامها إلى أكاديمية العلوم الفرنسية ضمن دفعة 2025، في سابقة رمزية تُعدّ محطة فارقة ليس فقط في تاريخ المؤسسة، بل أيضًا في مسار الحضور العربي والإفريقي والدول النامية في أرقى المحافل العلمية الأوروبية.
تزامن هذا الحدث مع تحول نوعي غير مسبوق في الأكاديمية الفرنسية، التي شهدت لأول مرة منذ تأسيسها عام 1666، انتخاب أغلبية نسائية ضمن أعضائها الجدد. من أصل 18 عالِمًا تم اختيارهم، كانت النساء في المقدمة، في ما يشبه إعلانًا رسميًا بانتهاء عهد احتكار الذكورة للمراكز العلمية العليا، وفتح الباب أمام كفاءات متنوعة، من خلفيات وتجارب متعددة، كان من بينها الجزائر.
البروفيسور ياسمينة بلقايد، المعروفة عالميًا بأبحاثها حول الجهاز المناعي والعلاقة المعقدة بين الإنسان والميكروبيوم، راكمت تجربة رائدة في الولايات المتحدة ضمن المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، قبل أن تتولى لاحقًا إدارة معهد باستور في باريس، واحدة من أعرق مؤسسات البحث الطبي في أوروبا. ويُعدّ انضمامها إلى الأكاديمية تتويجًا لسيرة علمية مميزة، رسّخت من خلالها حضورها كصوت علمي دولي، وكسفيرة غير مباشرة لعقول عربية وصلت إلى الصفوف الأمامية في إنتاج المعرفة.
هذا الانضمام يحمل دلالة رمزية تتجاوز مسألة التمثيل الفردي، إذ يعكس انفتاح الأكاديميات الكبرى على الكفاءات من خارج المركز التقليدي الأوروبي، ويؤكد أن نساءً عربيات ومن العالم الجنوبي، إذا ما توفر لهن الإطار العلمي المناسب، قادرات على الوصول إلى قلب المؤسسات التي كانت حتى وقت قريب حكرًا على نخب ضيقة.
لالشارة البروفيسور ياسمينة بلقايد، عالمة جزائرية متخصّصة في علم المناعة، تُعد من أبرز الأسماء العلمية عالميًا في هذا المجال. وُلدت بلقايد في الجزائر، حيث تلقّت تعليمها الأساسي والجامعي الأول، قبل أن تنتقل إلى فرنسا لمواصلة دراستها العليا. حصلت على الدكتوراه من جامعة باريس-سود ومعهد باستور سنة 1996، وراكمت تجربة بحثية رفيعة بين فرنسا والولايات المتحدة، حيث أدارت مختبرًا مرموقًا في المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية (NIAID). في عام 2024، تم تعيينها على رأس معهد باستور في باريس، لتكون بذلك أول امرأة من أصول مغاربية تتولى هذا المنصب الرفيع. إنجازها العلمي وإدراجها ضمن أعضاء أكاديمية العلوم الفرنسية يُعدان تتويجًا لمسار استثنائي، ويمنحان حضور العقول العلمية من العالم العربي.
وقد نظم الحفل الرسمي يوم 3 جوان 2025، تحت قبة معهد فرنسا، وبمشاركة الحرس الجمهوري الفرنسي، لم يكن فقط احتفالًا بالأعضاء الجدد، بل كان أيضًا احتفاءً ضمنيًا بتنوّع صار اليوم واقعًا في قلب النخبة العلمية الفرنسية.
إضافة إلى هذا التغيير في البنية التمثيلية، انتُخبت العالمة فرانسواز كومب رئيسة للأكاديمية للفترة الممتدة بين 2025 و2026. كومب، المعروفة بأعمالها الرائدة في علم الكون وتشكّل المجرات، تُعد واحدة من أبرز العقول العلمية في فرنسا، وكانت تشغل منصب نائبة رئيس الأكاديمية في الفترة السابقة. بانتخابها، تصبح ثاني امرأة تتولى رئاسة الأكاديمية بعد ماريان غرونبرغ-ماناغو في منتصف التسعينيات، مما يعزز البعد الرمزي لهذا التحول ويؤكد أن مسارات القيادة باتت أكثر انفتاحًا على الكفاءات النسائية.