تكشف المواجهة الأخيرة بين إيران و “إسرائيل” عن تحول لافت في طبيعة العمليات العسكرية، بعدما اصطدمت محاولات تل أبيب لاختراق المجال الجوي الإيراني بجدار دفاعي محكم. إذ فشلت الطائرات الحربية الإسرائيلية، بما في ذلك طائرات “الشبح” F-35، في تنفيذ غارات جوية مباشرة نتيجة يقظة الدفاعات الإيرانية وكفاءتها المتزايدة في الرصد والاعتراض. هذا الفشل دفع القيادة العسكرية الإسرائيلية إلى اعتماد تكتيك بديل، يقوم على استخدام الطائرات المسيّرة كوسيلة جديدة للضغط الميداني وتنفيذ الهجمات غير التقليدية.
وقد أجبرت “إسرائيل” على الاعتماد ، في ظل هذا التصعيد، على مسارات جوية بديلة عبر أجواء الدول المجاورة لإيران، مثل الأردن والعراق، مع احتمال تنسيق بعض العمليات عبر قواعد أمريكية في المنطقة. هذه المقاربة تمكّنها من تنفيذ ضربات دون الدخول الفعلي إلى الأجواء الإيرانية، مع إرباك منظومات الرادار والدفاع في طهران التي تواجه صعوبة في تحديد مصادر الهجمات.
في المقابل، أعلنت وسائل إعلام إيرانية رسمية، بينها Nour News وTehran Times، أن الدفاعات الإيرانية أسقطت ثلاث طائرات إسرائيلية من طراز F‑35I “Adir”، بينها واحدة قرب تبريز. وتُعد هذه الطائرة نسخة اامريكية معدّلة من الطائرة الشبح ، وقد شاركت في عمليات ضمن ما يسمى “عملية الأسد الصاعد” التي أطلقتها “إسرائيل” في يونيو 2025.
في 18 جوان الجاري، سجّلت إيران نجاحًا جديدًا في مجال الدفاع الجوي بإسقاط طائرة مسيّرة من طراز Hermes 900 فوق أصفهان، وهي طائرة إسرائيلية متقدمة تُستخدم في مهام استخباراتية وهجومية متوسطة المدى. يُعد إسقاط هذا الطراز مؤشراً على قدرة إيران على التعامل مع تقنيات طائرات بدون طيار متقدمة في بيئة دفاعية معقدة.
في ظل محدودية الغارات الجوية الكلاسيكية، لجأت إسرائيل إلى إدخال طائرات مسيّرة صغيرة ومتوسطة الحجم إلى العمق الإيراني، إمّا عن طريق التهريب المسبق أو من خلال الإطلاق من خارج الحدود. وتشير تقارير إعلامية غربية إلى استخدام طائرات أمريكية الصنع، قادرة على تنفيذ هجمات دقيقة على مواقع ذات طابع استراتيجي، منها منشآت دفاعية أو مراكز أبحاث يُعتقد أنها على صلة بالبرنامج الصاروخي الإيراني.
تكشف هذه التطورات عن تصاعد “حرب الظل” بين طهران وتل أبيب، حيث تتقدّم التكنولوجيا والتكتيك على الحرب التقليدية، في مشهد إقليمي تتداخل فيه الجغرافيا والاستخبارات مع الميدان العسكري و التضليل الاعلامي.
ورغم الترويج الإعلامي الغربي المستمر لتفوق “إسرائيل” الجوي باعتباره “أداة حاسمة” في أي مواجهة إقليمية، إلا أن المعطيات الميدانية الأولية كشفت واقعًا مغايرًا. فقد فشلت الطائرات الحربية الإسرائيلية في اختراق الأجواء الإيرانية بشكل مباشر، وتعرضت بعض مسيّراتها المتقدمة للإسقاط داخل العمق الإيراني، ما يعكس محدودية فعالية هذا “التفوق” أمام منظومات دفاع جوي متطورة ومجهزة بقدرات رصد واعتراض دقيقة. هذا التباين بين الخطاب الإعلامي والنتائج الفعلية على الأرض يكشف حدود القوة “الإسرائيلية” في بيئة عمليات شديدة التعقيد، ويطرح أسئلة جدية حول فعالية الاستراتيجية الجوية لتل أبيب في حال اندلاع مواجهة شاملة مع إيران.