في كتابهما «زر اللايك الذي غيّر العالم»، يتتبّع مارتن ريفز وبوب جودسون المسار غير المتوقّع لرمز رقمي صغير أصبح حجر الزاوية في تفاعلنا اليومي مع العالم: زر “اللايك”. انطلق هذا الابتكار من شركة «Yelp» عام 2005 كتجربة لتحفيز المستخدمين على كتابة مراجعات، ليتحوّل لاحقًا إلى ظاهرة عالمية تُعاد عبرها صياغة علاقتنا بالمحتوى وبأنفسنا، ويُسجَّل اليوم أكثر من 160 مليار نقرة إعجاب يوميًا على مختلف المنصات حول العالم.
لكن الكتاب لا يكتفي بسرد القصة التقنية، بل يسلّط الضوء على التحوّل النفسي والسلوكي الذي أحدثه هذا الزر في سلوك الإنسان الرقمي. إذ يشير المؤلفان إلى أن “اللايك” يعمل بوصفه محفّزًا بيولوجيًا، يُنشّط دائرة المكافأة في الدماغ، ويفرز الدوبامين بنفس الآلية التي تحفزها المواد الإدمانية كالسّكر أو النيكوتين.
هذا التحفيز المتكرر خلق أنماطًا جديدة من التفاعل القائم على الإشباع اللحظي، فأصبح المستخدم لا ينشر فقط ليُعبّر، بل لينال القبول، ويقيس قيمته الاجتماعية بعدد الإعجابات. وهكذا تحوّل “اللايك” من أداة تعبيرية إلى أداة تشكيل سلوكي، تُعيد برمجة مفاهيم القبول والانتماء والتأثير.
ورغم أن المؤلفَين يُقِرّان بوجود “عواقب غير مقصودة” لهذا الابتكار، فإن نبرتهما تميل إلى الاحتفاء الذكي أكثر من التورّط في نقد جذري. يغيب عن الكتاب مثلًا تفكيك فلسفي أو سياسي لدور الخوارزميات في تشكيل الرأي العام أو تفتيت الخصوصية، وهو ما يجعل بعض قرّاء اليوم يشعرون أن هذا السرد، وإن كان غنيًا، يظل جزئيًا في مقاربته.
ومع ذلك، فإن الكتاب يظلّ مرجعًا مهمًا لفهم إحدى أكثر آليات التفاعل الرقمي تأثيرًا في وعي البشر المعاصرين. وربما السؤال الذي يفتحه هذا النص أوسع من مجرد سرد تقني: هل يمكن لزر إعجاب صغير أن يعيد تشكيل الطريقة التي نعيش بها؟
يذكر أن رمز “الإبهام المرفوع” يعود إلى الثقافة الرومانية القديمة، فإن تحوّله إلى زر رقمي بدأ عام 2007 داخل “فيسبوك”، على يد المهندس جاستن روزنشتاين، الذي اقترح زرًا للتفاعل السريع مع المنشورات. وقد تولى المصمم سوشانت بوكاريل تطوير شكله البصري النهائي. أُطلق الزر رسميًا في عام 2009، ومنذ ذلك الحين أصبح الإبهام الأزرق رمزًا عالميًا للاعتراف والقبول – لكنه أيضًا، وفق الكتاب، بوابة إلى ثقافة إدمانية تعيد تشكيل الوعي والسلوك.
تجدر الإشارة إلى مارتن ريفز هو العضو المنتدب والشريك الأول في مكتب مجموعة بوسطن للاستشارات (BCG) في سان فرانسيسكو، كما يرأس معهد هندرسون للاستشراف الاستراتيجي التابع لـ BCG، وهو معروف بكتاباته حول الإدارة والابتكار والتفكير طويل المدى في عالم الأعمال، بينما يعتبر بوب جودسون رئيس ومؤسس شركة “Quid”، وهي شركة تكنولوجيا متقدمة مقرها وادي السيليكون، متخصصة في تحليل البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي، وكان أول موظف في شركة Yelp، وشارك في تطوير مفاهيم التفاعل الرقمي المبكر، بما في ذلك فكرة زر الإعجاب.