نشر موقع Algeriepatriotique حوارًا تحليليًا مطولًا مع المفكر والناشط الفرنسي من أصل جزائري، سعيد بوعمامة، تناول فيه أبعاد التصعيد العسكري الجاري بين إسرائيل وإيران، محددًا السياقات الدولية التي تُغذّي هذا الصراع، ودور الولايات المتحدة فيه، إلى جانب تلميحات حول مآلات النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.
يُفهم من تحليل سعيد بوعمامة أن الرواية الأميركية القائلة بأن “إسرائيل تصرفت بمفردها” لا تصمد أمام المعطيات الميدانية. فالعدوان الإسرائيلي، برأيه، لم يكن قرارًا منفردًا، بل تحركًا منسجمًا ضمن “سيناريو عام كُتب في واشنطن”، بينما أوكل تنفيذ بعض التفاصيل لتل أبيب. وهذا يعكس ما يصفه بوعمامة بـ”التبعية الهيكلية” للمنظومة العسكرية الإسرائيلية تجاه المظلة الأميركية، رغم ما تمتلكه من قدرة تدميرية.
يرى سعيد بوعمامة أن الادعاء الإسرائيلي بشأن خطر نووي إيراني وشيك لا يستند إلى أساس واقعي، بل يُستخدم غطاءً لتبرير مشروع سياسي أوسع. فإيران تمثل، من وجهة نظره، آخر عقبة إقليمية أمام محاولة أميركية لإعادة فرض الهيمنة العالمية. ويضيف بوعمامة أن طهران، إلى جانب كونها حليفًا استراتيجيًا لموسكو وبكين، تُشكّل عائقًا صلبًا أمام تمدد المشروع الصهيوني، مما يفسر السعي لزعزعة استقرارها أو تغيير نظامها السياسي.
بحسب سعيد بوعمامة، فإن سيناريو المواجهة البرّية بين إيران وإسرائيل مستبعد في الظروف الحالية. ويعتبر أن تل أبيب تسعى من خلال الضربات إلى خلق حالة من الذعر في الداخل الإيراني دون الانخراط في حرب طويلة المدى. كما يؤكد أن الولايات المتحدة، رغم قدراتها العسكرية، تفتقر إلى الظروف السياسية والشعبية لخوض حرب مباشرة في المنطقة، خصوصًا مع ما أظهرته إيران من قدرة على امتصاص الضربات ورفع منسوب التهديد المتبادل.
يؤكد سعيد بوعمامة أن الدعم العسكري الروسي والصيني لإيران يتجاوز الجانب التسليحي، ويحمل رسالة سياسية قوية مفادها أن طهران ليست معزولة. كما يرى أن هذا الدعم يضع الشرق الأوسط في صلب صراع جيوسياسي أوسع، تتحول فيه المواجهات إلى ساحة اختبار لتوازنات القوى العالمية. ويضيف أن موقف بكين وموسكو ينبع من وعي استراتيجي مشترك بأن ما يجري في طهران ليس سوى جزء من صراع أوسع قد يطال مصالحهما المباشرة.
توقف سعيد بوعمامة أيضًا عند الموقف المرتبك لبعض monarchies الخليج، معتبرًا أنها أصبحت “مجردة من قرارها السيادي”، نتيجة ارتهانها لوعود الحماية الأميركية. ويعتبر أن هذه الأنظمة تجد نفسها اليوم في موقع المتفرج، عاجزة عن التأثير في مجريات الأحداث، بعد أن فقدت التوازن بين اتفاقات التطبيع ومصالح شعوبها.
وفي رصده لمشروع “إعادة تشكيل الشرق الأوسط”، يعتبر سعيد بوعمامة أن إيران قد تكون العقبة الأخيرة أمام خطة أميركية لإخضاع المنطقة بالكامل. لكنه يشير إلى أن هذا المشروع، رغم ما تحقق منه في بلدان عديدة، يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة بفعل صمود الإيرانيين، وتغيّر خارطة التحالفات الدولية، وتزايد وعي الشعوب. ويخلص إلى أن مصير هذا المخطط بات أكثر من أي وقت مضى مرتبطًا بنتيجة المعركة الدائرة حاليًا.
المصدر: Algeria Patriotique – حوار مع سعيد بوعمامة، نُشر بتاريخ 23 جوان 2025.
للاشارة سعيد بوعمامة هو مفكر وعالم اجتماع جزائري-فرنسي، يُعرف بأبحاثه النقدية حول الهجرة، الفئات المهمشة، والتمييز البنيوي في المجتمعات الغربية. وُلد في مدينة روبيه بشمال فرنسا سنة 1958، وكرّس مسيرته العلمية والسياسية لفهم آليات الإقصاء الاجتماعي والثقافي، خصوصًا في الأحياء الشعبية ذات الغالبية المهاجرة. إلى جانب نشاطه الأكاديمي، يُعد بوعمامة من أبرز مؤسسي “الجبهة الموحدة للهجرات والأحياء الشعبية” (FUIQP)، التي تناضل من أجل العدالة الاجتماعية وحقوق الشعوب المهاجرة. في كتاباته وحواراته، يدافع عن قراءة شاملة للتاريخ الاستعماري وعلاقته بالواقع السياسي الراهن، مؤكدًا أن صمود المجتمعات المهمشة هو مفتاح لتفكيك منظومات الهيمنة والتسلط.