في تحول استراتيجي لافت، صادق حلف شمال الأطلسي خلال قمته الـ25 جوان 2025 في لاهاي على خطة لرفع ميزانيات الدفاع إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035. القرار يعكس استعدادًا صريحًا لمواجهة ما وصفه الحلف بـ”التهديدات المتصاعدة من روسيا، الصين، وإيران”، في ظل تصعيد جيوسياسي متعدد الاتجاهات، يمتد من شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط وآسيا.
بحسب تقارير رويترز ووكالة أسوشيتد برس، جاء هذا القرار بدعم من القوى الغربية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا. أما فرنسا وبولندا، فقد رحبتا بالخطة، بينما عبّرت دول أخرى مثل إسبانيا عن تحفظات على الإطار الزمني للتنفيذ.
الأمين العام للناتو، مارك روتّي، وصف يوم أمس روسيا بـ”الخطر الأكثر مباشرة”، محذرًا من تحالف ضمني يضم الصين وإيران وكوريا الشمالية، يدعم موسكو في حربها ضد أوكرانيا. كما لم تُخفِ واشنطن قلقها من المواجهة الخاطفة الأخيرة بين إيران وإسرائيل، التي أعادت إشعال الجبهات في الشرق الأوسط.
خطة الناتو تتضمن تعزيز الدفاعات السيبرانية وتوسيع الانتشار العسكري في المحيط الهادئ وشرق أوروبا، في انسجام مع سياسة “السلام عبر القوة” التي يروج لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. الأخير دعا مرارًا إلى تقاسم عادل لأعباء الدفاع، وانتُقد الحلفاء الأوروبيون لبطء تجاوبهم.
بهذا الاتجاه، يُفهم أن الناتو بصدد الانتقال من مرحلة الردع التقليدي إلى التهيئة لمجابهة حروب متعددة الجبهات، في عالم تتكثف فيه الأزمات ويتسارع فيه الاصطفاف بين كتل متقابلة.
ويأتي هذا القرار الأمريكي-الأوروبي في وقت ترتفع فيه مستويات الاستعداد الأميركي لسيناريو مواجهة محتملة مع الصين، تشمل حماية قواعدها في آسيا، وصولًا إلى المواجهة في الفضاء السيبراني والبنى التحتية الحيوي
وقد جاء قرار تعزيز الإنفاق بالتزام أمريكي قوي من الرئيس ترامب، الذي تمت الإشادة به لدوره الحاسم في دفع الحلفاء نحو رفع ميزانياتهم، وسط تحفظات بعض الدول مثل إسبانيا حول الجدول الزمني للتنفيذ .
ويعكس هذا التحوّل تجسيدًا لما سمي استراتيجية “السلام عبر القوة”، حيث يعمل الحلف على الهيكلة لمواجهة مسارات الصراع المتنقلة بين أوكرانيا، وحرب طاحنة محتملة في آسيا، وصولًا إلى الشرق الأوسط في ظل التوتر بين إيران وإسرائيل.
فيما يبدو أن العالم يقف على أعتاب مرحلة غير مسبوقة من التوترات الدولية، تُظهر التطورات الأخيرة أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يتأهب لاحتمالات مواجهة كبرى، قد تتجاوز الحدود الجغرافية التقليدية للحلف. فوسط التصعيد المستمر في الحرب الروسية الأوكرانية، وتنامي التوترات مع الصين حول تايوان والممرات البحرية، بالإضافة إلى الحرب الخاطفة بين إيران وإسرائيل التي هزّت الشرق الأوسط، تتقاطع الأزمات لتشكل بيئة استراتيجية ملتهبة.
قمة “الناتو” المنعقدة في لاهاي، والتي أقرت زيادة غير مسبوقة في الإنفاق الدفاعي، عكست هذا الاستعداد الصريح لمواجهة “التهديدات المتصاعدة من روسيا والصين وإيران”، بحسب ما صرّح به الأمين العام مارك روتّي. وأضاف أن روسيا تظل “الخطر الأكثر مباشرة”، محذرًا من أن الصين، إلى جانب كوريا الشمالية وإيران، تقف في صف موسكو لدعم حربها على أوكرانيا. أما في الشرق الأوسط، فإن المواجهة الأخيرة بين طهران وتل أبيب، وردّ الولايات المتحدة عليها عسكريًا ودبلوماسيًا، كشفت هشاشة النظام الدولي وخطورة التمدد السريع للتوترات الإقليمية نحو اشتباك واسع النطاق.
هذا التراكم في التهديدات لا يشي فقط بتحديات أمنية متفرقة، بل يوحي بتحول تدريجي في عقيدة “الناتو”، من الردع إلى الاستعداد لمجابهة سيناريوهات الصدام المباشر، في عالم يتجه أكثر فأكثر نحو منطق الاصطفاف والانقسام الحاد.
المصدر: رويترز، AP + الصحفي