العراق مهدد بفقدان 500 لهجة محلية

يواجه العراق اليوم تحديًا خطيرًا يهدد تراثه اللغوي، مع اقتراب نحو 500 لهجة محلية من الاندثار. اللهجات المندائية، السريانية، الشبكية، الفيلية، الزنجبارية، واللهجات البدوية في مناطق الأنبار والمثنى والنجف وسهل نينوى، تتعرض لضغوط متزايدة بفعل النزوح و الهجرة، والتحوّل الحضري.
الخبير في التراث جنيد عامر أكد ضرورة إدماج هذه اللهجات في المناهج التعليمية والأنشطة الثقافية، كجزء من حماية الهوية العراقية المتنوعة، كما شدد على أهمية دعم الإعلام الحكومي للهجات، وسنّ قوانين تحمي المتحدثين من التمييز.
من جانبه، أشار الباحث قاسم بلشان إلى تأثير العولمة الرقمية ووسائل التواصل في ظهور “لهجات هجينة”، ما يسهم في تآكل اللهجة العراقية الأصيلة. أما الباحث عادل حسوني العرداوي، فدعا إلى تأسيس مراكز بحثية تنفذ مسوحات ميدانية عاجلة لتوثيق هذه اللهجات قبل زوالها.
وسط غياب إحصاءات رسمية ودراسات مؤسسية، تتزايد الدعوات لإنشاء أرشيف وطني رقمي للهجات العراقية، باعتبارها مرآة عاكسة لهوية البلاد وتنوعها الحضاري.

و للاشارة يعتمد العراق لغتين رسميتين هما العربية والكردية، وذلك بموجب الدستور العراقي لسنة 2005، حيث تُعد اللغة العربية الأكثر انتشارًا في البلاد وتُستعمل في الإدارة والتعليم والإعلام على نطاق واسع، بينما تُعد اللغة الكردية لغة رسمية ثانية، تُستخدم أساسًا في إقليم كردستان وفي مؤسسات الإقليم التشريعية والتنفيذية والقضائية. كما يعترف الدستور بعدد من اللغات المحلية الأخرى، مثل التركمانية والسريانية والأرمنية، ويكفل لأبناء الأقليات حق تعليم أبنائهم بلغاتهم الأم في المناطق التي يشكلون فيها كثافة سكانية. يعكس هذا التنوع اللغوي التركيبة المجتمعية المتعددة للعراق، ويُعد جزءًا من الإطار الدستوري لضمان التعددية الثقافية واللغوية.

و شكّل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 نقطة تحول عميقة في البنية الاجتماعية والثقافية للبلاد، وكان للتنوع اللغوي أحد أبرز المتأثرين بهذا الحدث. قبل الغزو، ورغم التهميش السياسي لبعض المكونات، كان التنوع اللغوي حاضرًا في النسيج العراقي، خاصة في المدن ذات التعدد القومي مثل كركوك والموصل وبغداد. لكن بعد 2003، أدى انهيار مؤسسات الدولة واندلاع الصراعات الطائفية والإثنية إلى تفكك النسيج الاجتماعي، ما انعكس سلبًا على اللغات المحلية.

فقد تعرّضت اللغة السريانية والتركمانية والأرمنية إلى تراجع كبير في الاستخدام، نتيجة هجرة أبناء هذه المكونات أو تهجيرهم القسري من مناطقهم، كما تراجعت مؤسسات التعليم التي كانت تُدرّس بها هذه اللغات. في المقابل، برزت اللغة الكردية بقوة أكبر في إقليم كردستان بفضل الحكم الذاتي والدعم المؤسسي، في حين بقيت العربية اللغة الأوسع انتشارًا على مستوى الدولة.

الغزو وما تبعه من فوضى أضعفا بشدة التعايش اللغوي الذي كان يميز العراق، ورسّخا واقعًا جديدًا تغلب عليه الانقسامات الجغرافية والثقافية، وهو ما جعل الحفاظ على التنوع اللغوي تحديًا كبيرًا في مسار بناء الدولة بعد 2003.

المصدر : الجزيرة نت + الصحفي

Exit mobile version