نظّمت جامعة وهران 2، بالشراكة مع مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية (CRASC)، ندوةً وطنية يوم الإثنين 30 جوان 2025، خُصصت لمناقشة موضوع “صعود اليمين المتطرف في أوروبا وانعكاساته على الجزائر”، بمشاركة نخبة من الباحثين من مختلف التخصصات، في محاولة لفهم أعمق لجذور الظاهرة وتداعياتها.
انطلقت المداخلات بكلمة للأستاذ عبد القادر بوعرفة الذي قدّم قراءة فلسفية لما سمّاه “الأصول العميقة لليمين المتطرف”، متتبعًا التراكمات الفكرية التي غذّت هذا التيار، خاصة تلك المرتبطة بخطاب التفوق العرقي والهوية الثابتة. تلاه الباحث أحمد رنيمة الذي تناول تطور هذه التيارات في السياق الأوروبي، من الهامش إلى قلب المؤسسات الديمقراطية، مؤكدًا أن نجاحها لم يكن طارئًا بل هو نتيجة مسار طويل من التراكم والاستثمار في الخطابات القومية.
من جانبه، تناول الأستاذ أحمد رنيمة من جامعة وهران 1 في مداخلته الموسومة “اليمين المتطرف في أوروبا: المرجعيات الواقعية وسراب الهيمنة” الخلفيات التاريخية والسياسية التي غذّت صعود هذا التيار في أوروبا.
و اشار مشيرًا الأستاذ أحمد رنيمة إلى أن هذا انتشار خطاب اليمن الكتطرف لم يكن وليد لحظة، بل هو نتاج تراكم طويل لجملة من التصورات والأفكار القومية ذات الطابع الاستبدادي. وركّز رنيمة على الطابع الإقصائي لليمين المتطرف، الذي يرى في “العناصر غير الأصلية” تهديدًا مباشرا لما يعتبره “الدولة القومية المتجانسة”، مسلطًا الضوء على البنية الفكرية لهذه الأيديولوجيا، التي تؤمن بصرامة تطبيق القانون والنظام، وترفض التنوع الثقافي والاجتماعي. كما أبرز كيف تمكّن هذا الخطاب من التغلغل في بنى مجتمعية تعاني من أزمات هوية وخوف من الآخر، ما جعله يكتسب زخما متزايدا ويحقق اختراقات ملموسة في المشهد السياسي الأوروبي.
أما من الزاوية السوسيولوجية، فقد ركّز الأستاذ عمار مانع على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لصعود هذا التيار، مبرزًا كيف يتم استغلال مخاوف الهوية والانتماء لإعادة تشكيل الخريطة السياسية. الأستاذ جيلالي المستاري من جهته ناقش التوتر القائم بين التيارات اليمينية والنخب الأكاديمية في فرنسا، معتبرًا أن هذا التوتر يعكس أزمة عميقة في تعريف الهوية الوطنية.
في المحور الاقتصادي، قدّم الأستاذ الهواري بلحسن قراءة في تداعيات صعود اليمين الفرنسي على العلاقات الاقتصادية الجزائرية الفرنسية، محذرًا من تحوّل الحمائية الاقتصادية إلى شكل من التهديدات الصامتة للمصالح الجزائرية.
أما قانونيًا، فقد استعرض الأستاذ بوزيد لزهاري كيف تعاملت الآليات الأممية مع خطاب الكراهية الصادر عن شخصيات سياسية تنتمي لليمين المتطرف، مؤكدًا أن هذا الخطاب لا يزال يشكل تحديًا حقيقيًا لمنظومة حقوق الإنسان الدولية.
الأستاذ إدريس عطية من جانبه ركّز على تفكيك الخطاب السياسي لليمين المتطرف، متحدثًا عن انتقاله من الهامش إلى مركز القرار عبر ما سمّاه بـ”هندسة التهديد”، بينما ناقش الأستاذ محمود شرقي أبعاد التقارب الأيديولوجي والاستراتيجي بين اليمين المتطرف في أوروبا وإسرائيل، محذرًا من نتائجه على الأمن الإقليمي.
هذه الندوة عكست يقظة أكاديمية جزائرية إزاء التحولات السياسية العميقة التي تعرفها أوروبا، وسعت إلى تقديم مقاربات متعددة التخصصات تساعد على فهم الظاهرة وتفكيك تأثيراتها المحتملة على الجزائر، خصوصًا في ظل العلاقة التاريخية المعقدة مع دول الاتحاد الأوروبي.