“غسيل دماغ مناخي” أم إعادة هيكلة غذائية؟

أثار السيناتور الأسترالي مالكولم روبرتس جدلًا واسعًا بعد تصريحاته الصادرة بتاريخ 22 ماي 2025، والتي اعتبر فيها أن الخطط المناخية العالمية بدأت تأخذ منحى “مريبًا”، يهدد حرية الأفراد في اختيار غذائهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بتحديد حصة يومية من اللحوم لا تتجاوز 26 غرامًا فقط. بالنسبة لروبرتس، هذا الإجراء ليس مجرد توصية صحية، بل خطوة ضمن ما سماه بـ”غسيل دماغ مناخي” يُساق باسم البيئة بينما يخدم مصالح النخب الاقتصادية الكبرى.

استند روبرتس في مداخلته إلى دراسة رسمية صادرة عن وزارة الطاقة البريطانية، تحدثت عن تجارب على ما يُعرف بـ”نظام الكربون الغذائي” الذي يمنح الأفراد حصصًا محددة من الانبعاثات المرتبطة بالطعام. ووفقًا لهذه الدراسة، لن يُسمح للمواطن سوى بتناول كمية رمزية من اللحوم الحمراء تعادل 26 غرامًا يوميًا، على أن يُخصص باقي النظام الغذائي لمنتجات نباتية أو بدائل صناعية.

لكن القضية لا تقف عند الجانب البيئي. فبالنسبة لروبرتس، هذه الخطة تمثل انعكاسًا واضحًا لما وصفه بـ”تواطؤ ناعم” بين حكومات ومؤسسات مالية عالمية على غرار بلاك روك، وشركات عملاقة يملكها أو يدعمها أشخاص مثل بيل غيتس. ويشير السيناتور إلى أن هؤلاء الفاعلين اشتروا مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بغرض التحكم في السوق الغذائي العالمي، عبر فرض منتجات بديلة تحقق أرباحًا طائلة تحت غطاء “الاستدامة البيئية”.

وفي هذا السياق، حذّر روبرتس من أن النظام الغذائي الجديد سيجبر الطبقات الفقيرة على التخلي عن خياراتها التقليدية في الغذاء، ليس فقط بسبب التضييق السياسي، بل نتيجة الغلاء المقصود للسلع الأساسية. وذهب أبعد من ذلك حين اعتبر أن بعض مشاريع اللحوم الصناعية تُنتج من مكونات مُعالجة أكثر ضررًا من اللحوم نفسها، وأن الأبحاث الصادرة عن جامعات محترمة تؤكد أن “البصمة البيئية للبروتينات الاصطناعية ليست أقل سوءًا”.

ردود الأفعال على هذه التصريحات لم تتأخر، إذ انتشرت تعليقات لاذعة على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة Reddit، حيث عبّر العديد من المستخدمين عن رفضهم لما اعتبروه “هندسة قسرية للسلوك الغذائي”. وتداول بعضهم مقولة: “بيل غيتس يريدنا أن نأكل أطعمة معدّلة وراثيًا ومصنعة مفرطًا… باسم المناخ”. كما أشار آخرون إلى أن هذه الأجندة جزء من محاولة أوسع للسيطرة على الموارد وإعادة توزيعها بشكل يخدم قلة محظوظة.

تأتي هذه النقاشات في سياق متوتر عالميًا، حيث تتجه الحكومات نحو فرض تدابير بيئية صارمة ضمن ما يسمى بـ”التحول الأخضر”. غير أن هذه التحركات تواجه تحديات سياسية وشعبية، خصوصًا عندما يُنظر إليها على أنها تهدد السيادة الفردية وتفتح المجال لهيمنة الشركات.

في النهاية، يبقى الجدل قائمًا: هل فعلاً تمثل هذه المبادرات جزءًا من حلول جذرية لأزمة المناخ؟ أم أنها كما يرى روبرتس، وجهٌ جديد لـ”رأسمالية مناخية” تحاول فرض نموذجها بصمت؟ الوقت وحده كفيل بكشف الخلفيات الحقيقية لهذا التحول في النظام الغذائي العالمي.

“نظام الكربون الغذائي”…خلفية النظام ومصدره

“نظام الكربون الغذائي” هو مفهوم نابع من توجهات المملكة المتحدة نحو تحقيق “صفر انبعاثات صافية” بحلول عام 2050، وهو ما أكدته لجنة التغير المناخي (CCC) في توصياتها للحكومة البريطانية. بحسب اللجنة، يُشكّل النظام الغذائي حوالي 35% من الانبعاثات المنزلية، ما يدفع نحو إعادة هيكلة الاستهلاك الغذائي، وخاصة تقليص استهلاك اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان. تم اقتراح خفض استهلاك اللحوم بنسبة 25% إلى 35%، أي ما يعادل نحو 260 غرامًا أسبوعيًا، وذلك من أجل تخفيف الضغط البيئي الناتج عن الثروة الحيوانية، خاصة انبعاثات الميثان.

رغم ما يُثار من جدل، فإن النظام لا يعتمد على فرض حصص غذائية أو قيود قانونية مباشرة، بل يسعى إلى التأثير على سلوك المستهلك من خلال “الحوافز الإيجابية” مثل ملصقات البصمة الكربونية على المنتجات، وتوجيه الدعم الزراعي نحو ممارسات منخفضة الانبعاث. شركات بريطانية مثل Quorn وUnilever بدأت بالفعل بتطبيق هذا النظام الطوعي، في حين تعمل وزارة البيئة (DEFRA) على وضع معايير موحدة لعرض المعلومات البيئية على الأغذية، بهدف الشفافية ومنع التضليل المعروف بـ”الغسل البيئي”.

أثار هذا الاتجاه مخاوف لدى بعض التيارات السياسية والشعبية، خاصة مع الاتهامات بأن هذه السياسات تخدم مصالح شركات عملاقة كـ”بلاك روك” أو “بيل غيتس” على حساب المستهلكين، وخصوصًا الفئات ذات الدخل المحدود. في المقابل، تؤكد الحكومة البريطانية أن المسار اختياري ويهدف إلى تمكين المواطن من اتخاذ قرارات واعية بيئيًا، دون المساس بحريته الغذائية. وقد أظهرت استطلاعات رأي حديثة أن نحو 47% من البريطانيين يرحبون بملصقات البصمة الكربونية، في حين يعارضها أقل من 10%، ما يعكس وجود وعي بيئي متنامٍ رغم بعض التحفظات.

Exit mobile version