تحولت فرانشيسكا ألبانيز (Francesca P. Albanese)، المقررة الخاصة بالأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى كابوس قانوني متصاعد يؤرّق تل ابيب، بعدما كشفت جرائم الإبادة الجماعية لاسرائيل في فلسطين. لا تكتفي ألبانيز بتسجيل الانتهاكات، بل تكشفها بلغة حقوقية صارمة تُربك الرواية “الإسرائيلية” والغربية الاطلسية، وتجعل منها واحدة من أبرز الأصوات التي تخوض مواجهة مباشرة داخل ساحات القانون الدولي.
لا تُشبه فرانشيسكا ألبانيز كثيرًا من سبقوها إلى مناصب الأمم المتحدة. فالمحامية الإيطالية، التي عُينت سنة 2022 مقررة أممية معنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كشفت منذ اللحظة الأولى عن توجه حقوقي صارم وغير قابل للمساومة. خلفيتها الأكاديمية في جامعات بيزا ولندن وأمستردام، إضافة إلى عملها السابق داخل مفوضية اللاجئين والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، منحتها ثقلًا لا يمكن تجاهله.
في مارس 2024، أطلقت ألبانيز (Francesca P. Albanese) تقريرًا بعنوان “تشريح الإبادة”، صنّفت فيه ما يحدث في غزة على أنه واحد من أقسى أشكال الإبادة في العصر الحديث. وطالبت المجتمع الدولي بفرض حظر على تصدير السلاح لإسرائيل وملاحقة الشركات المتواطئة. لم تمر هذه التقارير دون رد، إذ تم حظرها من دخول الأراضي المحتلة، ومنعت من مخاطبة الكونغرس الأميركي، بينما تصاعدت الحملة الإعلامية ضدها.
حصلت ألبانيز على عدة جوائز، من بينها شخصية الأمم المتحدة لعام 2024، وجائزة “Dries van Agt” لحقوق الإنسان عام 2025، تقديرًا لجهودها في فضح الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. كما ساهمت في مؤلفات قانونية بارزة، من بينها كتاب Palestinian Refugees in International Law الصادر عن جامعة أكسفورد.
اليوم، تشكل ألبانيز صوتًا نادرًا داخل منظومة دولية تُتهم غالبًا بالازدواجية، وهي تواصل عملها رغم التهديدات، مستندة إلى قناعة ثابتة بأن العدالة ليست خيارًا سياسيًا، بل ضرورة قانونية وأخلاقية.
وتنطلق مقاربات ألبانيز من خلفية قانونية متينة، إذ سبق أن اشتغلت مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وتملك خبرة في القانون الإنساني الدولي. وتحرص، في تقاريرها وتصريحاتها، على تحميل الدول الغربية مسؤولية التواطؤ عبر صمتها وتزويد إسرائيل بالأسلحة.
وقد وصفت ألبانيز، في تقارير أممية حديثة، العمليات العسكرية “الإسرائيلية” في غزة بأنها ترقى إلى “إبادة جماعية”، ما أثار موجة استنكار واسعة من قبل أنصار الكيان العبري، الذين يصفونها بـ”المنحازة” ويطالبون بإقالتها من منصبها. وفي المقابل، لقيت مواقفها دعمًا من منظمات حقوقية دولية اعتبرت صوتها نادرًا في مؤسسات لا تخلو من تأثيرات سياسية.
وفي أحدث فصول التضييق، أعلنت جامعة “برن” السويسرية إلغاء ندوة كانت مبرمجة بمشاركة ألبانيز، وهو قرار نددت به منظمة العفو الدولية واعتبرته انتهاكًا لحرية التعبير وخضوعًا لضغوط سياسية، لا سيما في ظل حساسية الملف الفلسطيني.
ألبانيز لا تخوض معركتها انطلاقًا من مواقف أيديولوجية، بل من منطلق قانوني صِرف، ما يجعلها في نظر خصومها أخطر من النشطاء السياسيين أنفسهم، لأنها تقدم ما يعتبره كثيرون “إدانة قانونية دامغة” للاحتلال.