واشنطن تطلب استئناف المفاوضات النووية مع إيران عبر وسطاء

كشف مصدر مطّلع لوكالة مهر الإيرانية، اليوم الاثنين، أن الولايات المتحدة طلبت عبر وسطاء من عدة دول استئناف المفاوضات مع طهران بشأن ملفها النووي، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية. وأوضح المصدر أن الرسائل الأميركية التي وصلت إلى طهران تتضمن شروطًا مرتبطة برفع العقوبات، ومستويات تخصيب اليورانيوم، فضلاً عن التعويضات المحتملة عن “الحرب المفروضة”.

ويأتي هذا طلب واشنطن استئناف المفاوضات النووية مع إيران عبر وسطاء في وقتٍ تُجري فيه طهران دراسة دقيقة لمضمون هذه المطالب، للتأكّد من مدى انسجامها مع مصالحها الوطنية. وتمتد العناية الإيرانية أيضًا إلى الجانب التقني من الشروط، لاسيما ما يتعلّق بالتخصيب الأكاديمي والحدّ من نشاطات اليورانيوم المخصّب.

من جانب آخر، أفاد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بأن أنقرة نقلت إلى طهران المواقف الأميركية حول إمكانية استئناف المحادثات النووية، وذلك خلال لقائه بنظيره الإيراني عباس عراقتشي على هامش قمة بريكس في ريو دي جانيرو. وأضاف فيدان أنه بحث الأمر أيضًا مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف قبل عدة أيام، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد حراكًا دبلوماسيًا، رغم استمرار حالة “عدم اليقين” المحيطة بالملف.

أهم محطات المفاوضات النووية بين إيرانو الولايات المتحدة الأمريكية

أطلقت قضية الملف النووي الإيراني مسارًا تفاوضيًا متعدد الأطراف امتدّ على أكثر من عقدين، ابتداءً من محاولات الوساطة الأوروبية في أوائل الألفية وحتى جولات الوساطة العُمانية في عام 2025. وقد تميز هذا المسار بتناوب مراحل التصعيد وتجميد الأعمال والمفاوضات المباشرة وغير المباشرة، بما يعكس تعقيد الدمج بين الأبعاد التقنية (نسبة التخصيب والمراقبة) والأبعاد السياسية (العقوبات والتعويضات) في آن واحد

المفاوضات المبكرة (2003–2006):

في أكتوبر 2003، شهدت المفاوضات أول اتفاق مبدئي مع الاتحاد الأوروبي الثلاثي (بريطانيا–فرنسا–ألمانيا)، عرف بـ”إعلان طهران”، تقرّر بموجبه تعليق إيران برنامج تخصيب اليورانيوم وتعاون كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل فتح قنوات الحوار السياسي والاقتصادي وفي فبراير 2006، أحال مجلس محافظي الوكالة تقريره إلى مجلس الأمن عبر القرار 1696، مطالبًا إيران بتعليق جميع أنشطة التخصيب تحت طائلة فرض عقوبات دولية، ما أدّى إلى مزيد من التوتر واستئناف المفاوضات ضمن إطار P5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا)

جولات فيينا الأولى وخطة العمل المشتركة (2013–2014):

انطلقت محادثات موسكو وألماتي (فيفري وأفريل 2013) تلاها جولة إسطنبول (مارس 2013) ثم جولة جنيف (نوفمبر 2013)، بهدف تمهيد أرضية لوضع أول “خطة عمل مشتركة” (JPA) تنظم إجراءات محددة لكلا الطرفين. واتفق على خفض طفيف في مستوى تخصيب اليورانيوم مقابل تسهيلات اقتصادية مؤقتة. ثم عُقدت أربع جولات إضافية في فيينا بين فبراير ومايو 2014، ركّزت على وضع جدول زمني للاتفاق الشامل وضبط التفاصيل التقنية للمراقبة والتخصيب

إطار لوزان والاتفاق الشامل (2015):

في 2 أبريل 2015، أعلن المشاركون “إطار لوزان” الذي حدّد المبادئ الأساسية—تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي، وتجميد بعض المفاعلات، ورفع جزئي للعقوبات مقابل تقليص الأنشطة النووية. ثم أُبرم الاتفاق الشامل (JCPOA) في فيينا في 14 يوليو 2015، وجاء برعاية أمريكية وأوروبية وضغط روسي–صيني، ليمنح إيران فرصة رفع تدريجي للعقوبات مقابل التقيّد الصارم بنسب تخصيب لا تتجاوز 3.67% وإعادة فتح مراصد الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتفتيش المفاجئ

الانسحاب الأميركي وإعادة العقوبات (2018):

في 8 ماي 2018، أعلنت إدارة الرئيس ترامب انسحاب الولايات المتحدة أحاديًا من JCPOA، وفرضت حزمة عقوبات جديدة طالت قطاع النفط والنقل المالي، معتبرة الاتفاق “منحازًا لإيران” ولم يلبّ طموحات الأمن القومي الأميركي أسفر هذا الانسحاب عن تجميد فعلي لعودة إيران إلى الامتثال الكامل، وتصاعدت بعدها وتيرة التخصيب الإيراني إلى مستويات قريبة من الدرجة العسكرية، ما أدّى إلى تراجع دور الوساطة الأوروبية

محاولات استعادة الاتفاق (2021–2022):

انطلقت جولات فيينا في أبريل 2021 بغياب المفاوضين الأميركيين المباشرين، مُمثّلين فقط عبر الاتحاد الأوروبي والدول الخمس+D (4+1)، لكنها توقفت بعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، وتزامن ذلك مع خطوات إيرانية لإزالة كاميرات المراقبة من المواقع النووية ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%، مما أدى إلى فشل الجولات واستمرار حالة “عدم اليقين”

الوساطة العُمانية وجولات 2025:

في 12 أبريل 2025، عُقدت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة في مسقط بحضور المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، عبر وساطة عمانية، وجرى بحث خفض مؤقت لمستويات التخصيب مقابل رفع جزئي للعقوبات والوصول إلى الأصول المالية المجمدة تبعها في 19 أفريل جولة ثانية في روما، شهدت محادثات تقنية حول آليات التحقق وتسليم الشروط النهائية، في ظل تحركات إسرائيلية ورأسمالية دولية مرتبطة بالأمن الإقليمي ونفوذ روسيا والصين في الملف

وقد اتهمت طهران الولايات المتحدة وإسرائيل باستخدام مسار المفاوضات النووية كغطاء سياسي لشنّ هجمات جوية مشتركة استهدفت مواقع صاروخية وبنية تحتية عسكرية إيرانية خلال فترة “حرب الـ12 يوم”. وترى إيران أن التزامن بين جلسات التفاوض في فيينا ومسقط والعمليات العسكرية لم يكن مصادفة، بل جزء من استراتيجية أمريكية–إسرائيلية مزدوجة: التظاهر بانخراط دبلوماسي في الملف النووي، وفي الوقت نفسه استنزاف القدرات الدفاعية الإيرانية وإضعاف منطق الردع لديها في الخفاء.

وتثير هذه الاتهامات تساؤلات حول مصداقية المسار التفاوضي في ظل تداخل الجبهتين العسكرية والدبلوماسية، إذ إن طهران قد تضطر إلى إعادة تقييم موقفها التفاوضي، وربما تشترط ربط أي التزام دبلوماسي بوقف شامل للهجمات الجوية. وبذلك، يصبح رهان المجتمع الدولي على نجاح المفاوضات مقترنًا بضرورة ضبط العمليات العسكرية الإقليمية، لأن استمرار هذا التناقض بين الحوار والقتال قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد ويقوّض فرص التوصل إلى اتفاق مستدام حول البرنامج النووي الإيراني.

Exit mobile version