من نيويورك إلى كان، مرورًا بطوكيو، تواصل السينما إثارة الجدل لا من خلال شاشاتها فقط، بل عبر ما يُقال عنها وما يُختار منها. هذا ما حدث تمامًا حين نشرت صحيفة The New York Times قائمة “أفضل 100 فيلم في القرن الحادي والعشرين”، والتي جمعت أصوات أكثر من 500 فنان ومخرج وممثل. وبينما بدت القائمة فرصة للاحتفاء بإنجازات ربع قرن سينمائي، تحولت سريعًا إلى ساحة جدل واسع، كما نقل تقرير موسّع نشرته الشرق للأخبار.
فمنذ لحظة الإعلان عن تصدّر الفيلم الكوري Parasite للقائمة، توالت الانتقادات والدهشة. لماذا غابت أعمال بارزة مثل Roma أو A Separation رغم مكانتها العالية؟ وهل تستحق أفلام مثل Borat أو Anchorman أن تزاحم الأعمال الكلاسيكية والمعاصرة الأعمق فنيًا وإنسانيًا؟
تعتمد هذه الاستطلاعات على تجميع النقاط من قوائم المشاركين الفردية، لكن الاختلاف يتركز على طبيعة المشاركين أنفسهم. إذ يرى نقاد أن النسبة الكبيرة من الممثلين المشاركين أضعفت الجانب “النقدي”، مقارنةً بالمخرجين والنقاد المعروفين باتساع اطلاعهم. كما أن الميل نحو الأعمال الأميركية الموزعة عالميًا خلق انطباعًا بعدم “عالمية” النتائج.
ومع الطرائف التي رافقت العملية – كمشاركة فنانين رشحوا أفلامًا لأصدقائهم أو زملائهم – بقيت اختيارات بعض المخرجين، مثل بونج جون هو، لافتة لذوق عالمي عميق، شمل أفلامًا من آسيا وأوروبا غير متداولة تجاريًا.
بينما تساءل البعض: هل من الممكن فعلاً أن يشاهد أي شخص كل ما أنتجته السينما في ربع قرن؟ هل هذه القوائم تعكس أفضلية حقيقية، أم مجرد شهرة وتأثير لحظي؟ ومن اللافت أن أفلامًا مثل Shoplifters أو La La Land لم تجد لها مكانًا، في حين دخلت أفلام خفيفة الطابع أو تجارية بحتة.
لكن – وكما تقول “الشرق للأخبار” – فإن قيمة مثل هذه الاستطلاعات لا تكمن فقط في ترتيب الأفلام، بل في خلق نقاش ثقافي متجدد، يسلط الضوء على ما تم إنتاجه، وما يجب مشاهدته، وما يظل غائبًا رغم جودته. وهو ما دفع الصحيفة الأميركية إلى دعوة جمهورها لوضع قوائمهم الخاصة، في محاولة لفتح نافذة تفاعلية أكثر شمولًا وعدالة.
وبناء على الجدل الكبير الذي طفا على السطح، بدا أن هذا النوع من الاستطلاعات يعكس أكثر تفضيلات اللحظة لا القيمة الفنية الخالدة، ف حين تتصدر Parasite أو Get Out أو The Social Network قائمة لأفضل أفلام القرن، فذلك لا يعني بالضرورة أنها “الأعظم”، بل أنها لامست حساسية فنية أو سياسية أو ثقافية لدى المشاركين في زمن معين.
أما من جهة، المنهجية التي تعتمدها The New York Times تبدو منفتحة وديمقراطية، لكن فيها عيوب هيكلية: أبرزها أن الممثلين، وهم أغلب المشاركين، ليسوا دائمًا الأقدر على التقييم الشامل، كما أن الأفلام الأكثر توزيعًا وشهرة عالميًا (خصوصًا في السوق الأميركي) تأخذ فرصة أكبر، إذ لا يمكن لأي شخص، مهما كانت ثقافته، أن يشاهد كل أفلام العالم في ربع قرن.
وبالمقابل، غياب أفلام مثل A Separation أو Shoplifters أو Children of Men عن المراكز المتقدمة، أو تجاهل أفلام غير ناطقة بالإنجليزية رغم عظمتها، يكشف تحيّزًا غير واعٍ نحو الذائقة الغربية المعولمة.
المصدر: الشرق للأخبار + الصحفي