انطلقت الدورة 79 من مهرجان أفينيون المسرحي في جنوب فرنسا، أحد أعرق التظاهرات المسرحية العالمية، بعرض راقص أثار تباينًا حادًا في ردود الفعل. العرض الذي افتتح فعاليات المهرجان بعنوان “نوت”، حمل توقيع مصممة الرقصات مارلين مونتيرو فريتاس من الرأس الأخضر، وشارك فيه ثمانية راقصين وموسيقيين بأزياء مزيّنة بالأقنعة والفساتين السوداء، قدموا عرضًا بصريًا وصفه بعض النقاد بأنه مستلهم من أجواء “ألف ليلة وليلة”، فيما رآه آخرون تجسيدًا كرنفاليًا لموروث الرأس الأخضر.
تفاعل الجمهور لم يكن موحدًا، إذ غادر البعض القاعة بينما تعالت صيحات الاستهجان من آخرين، في حين أبدى البعض إعجابه بالعرض من خلال التصفيق. هذا التنوع في ردود الفعل عكس طبيعة المهرجان الذي ظل على الدوام منفتحًا على التجريب والاختلاف.
لكن الجانب الفني لم يكن الوحيد في المشهد، إذ تزامن افتتاح المهرجان مع بيان وقّعه 26 فنانًا، إلى جانب المدير تياغو رودريغيز، عبّروا فيه عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، مدينين ما وصفوه بـ”المذبحة الجماعية” في غزة، ومنددين بالسياسات الإسرائيلية.
البيان الذي نُشر في مجلة “تيليراما” حظي بدعم وجوه بارزة في المسرح الفرنسي. كما نشر رودريغيز منشورًا على إنستغرام بعنوان “المجزرة مستمرة”، مؤكدًا حلمه بمستقبل تُقام فيه المهرجانات مجددًا في غزة، بسلام وحرية.
الحدث الثقافي اختار هذه السنة اللغة العربية ضيف شرف، بمشاركة حوالي 15 فنانًا عربيًا من مصممي الرقص والموسيقيين، في خطوة تسعى إلى إبراز ثراء الثقافة العربية وتنوعها، بعد استضافة الإنجليزية والإسبانية في الدورتين السابقتين.
للتذكير ، حظي الإنتاج الفلسطيني بحضور لافت، خلال دورة مهرجان كان السينمائي الماضي، إذ سُلط الضوء على قضايا الشعب الفلسطيني من خلال عروض أفلام تناولت واقع الاحتلال والتهجير والمعاناة اليومية. وبرز فيلم “علم” للمخرج فراس خوري كأحد أبرز هذه الأعمال، حيث نال إشادة نقدية وجماهيرية لما قدّمه من سرد إنساني جريء، إلى جانب مشاركة صانعي أفلام فلسطينيين في النقاشات والفعاليات الجانبية، ما أعطى للسينما الفلسطينية منصة عالمية للتعبير عن قضاياها بعمق وإبداع.
للإشارة مهرجان أفينيون (Festival d’Avignon) هو واحد من أعرق وأهم المهرجانات المسرحية في العالم، يُقام سنويًا في مدينة أفينيون بجنوب فرنسا منذ عام 1947. أسّسه المخرج والممثل الفرنسي الشهير جان فيلار بهدف جعل المسرح في متناول الجمهور الواسع، وليس فقط النخب الثقافية.
يُنظَّم في شهر يوليو من كل عام، حيث تُقام عروضه الرئيسية في ساحات وقاعات تاريخية، أبرزها قصر الباباوات (Palais des Papes)، الذي يمنح العروض طابعًا مهيبًا واستثنائيًا.
ويُعدّ منصّة دولية للحوار الثقافي، والتجريب الفني، ومختبرًا حيًا لأحدث توجهات المسرح المعاصر، حيث يتلاقى فيه فنانون ومفكرون من شتى أنحاء العالم. وقد اكتسب مع الوقت بُعدًا سياسيًا أيضًا، عبر انخراطه في قضايا الإنسان، والعدالة، والحرية.
المصدر : الجزيرة + الصحفي