صنفت مجلة Sight & Sound البريطانية عام 1975 كعلامة فارقة في السينما العالمية، ولحظة مفصلية في تاريخ الفن السابع، حيث أفردت له عددًا خاصًا بوصفه “العام الذي غيّر تاريخ السينما إلى الأبد”.
في هذا العام، صرخ الوثائقي التشيلّي معركة تشيلي ضد الديكتاتوريات، بينما فاز الفيلم الجزائري وقائع سنوات الجمر بالسعفة الذهبية، في صدمة ثقافية لفرنسا ما بعد الاستعمار. وشهد الأوسكار ترشيحات مثقلة بالرمزية، أبرزها أحدهم طار فوق عش الوقواق، الذي عرّى الأنظمة القمعية من داخل مصحة عقلية، وبعد ظهر يوم كلاب الذي جعل الجماهير تتعاطف مع سارق بنك.
وفي الهامش الفني، خرج فيلم جين ديلمان عن كل مألوف، راسمًا ملامح سينما نسوية بطيئة لكنها نافذة، حتى اختارته Sight & Sound لاحقًا كأعظم فيلم في التاريخ. أما سالّو لباسوليني، فذهب أبعد من الجميع، بكشفه عن بشاعات السلطة من خلال جماليات القبح والتقزز.
لم تكن السينما السائدة بمنأى عن هذه الروح، فحتى أعمال مثل باري ليندون لكوبريك وناشفيل لألتمان، قدّمت تجارب سردية وجمالية جديدة. أما عالميًا، فبرزت جواهر مثل الحظر لعثمان سمبين، واللاعبون المتجولون لأنجلوبولوس، وديرسو أوزالا لكوروساوا.
ما يميز 1975 ليس عدد الأفلام فقط، بل عمقها وتنوعها وتمردها، وهو ما يجعل من العودة إليها اليوم ليس مجرد نوستالجيا، بل ضرورة فنية لرؤية كيف يمكن للسينما أن تكون مرآة للإنسانية ومطرقة على رأس السلطة.
ولعل من أقوى لحظات 1975، تتويج فيلم وقائع سنوات الجمر للمخرج الجزائري محمد الأخضر حامينا بالسعفة الذهبية في مهرجان “كان”، وهو أول وأهم تتويج لفيلم عربي في تاريخ المهرجان. يستعرض الفيلم، بحس شاعري وحساسية سياسية، معاناة الجزائريين تحت الاستعمار الفرنسي بين 1939 و1954، وصولًا إلى اندلاع الثورة التحريرية. كان تتويجه بمثابة صفعة مدوية لليمين الفرنسي الذي لم يتخلص بعد من أحلامه الاستعمارية، ما جعل الفيلم عرضة للتجاهل والإقصاء لعقود، قبل أن يُعاد ترميمه ويُعرض مجددًا في “كان” بعد رحيل مخرجه في مايو 2025. وقد جمع حامينا في هذا العمل بين التوثيق والمجاز، مقدّمًا سردًا بصريًا ذا بعد إنساني، يُرسّخ مكانته كأحد أبرز الأصوات السينمائية في الجنوب العالمي.
للإشارة: Sight & Sound هي مجلة سينمائية بريطانية عريقة، تصدر منذ عام 1932 عن “معهد الفيلم البريطاني” (BFI)، وتُعد من أقدم المطبوعات المتخصصة في السينما في العالم. تشتهر باستطلاعها الشهير الذي يُنظم كل عشر سنوات لاختيار “أفضل الأفلام في تاريخ السينما”، ويشارك فيه كبار النقاد والمخرجين من مختلف أنحاء العالم.