فيلم “حمار 7 أكتوبر”.. عندما يتحول الحيوان إلى بطل إنساني

قدّم المخرج الفلسطيني معتز الهباش فيلمه القصير “حمار 7 أكتوبر” كصرخة بصرية تتقاطع فيها المأساة مع الكوميديا السوداء، وتمتزج الرمزية والواقعية، بالأسلوب الوثائقي الساخر .

يستند الفيلم الوثائقي ” حمار 7 أكتوبر”، الذي كتب نصه مصطفى النبيه، إلى واقعة حقيقية خلال المجزرة الإسرائيلية في حي الشجاعية شرق غزة، حيث استُخدم حمار كوسيلة نجاة وسط مشهد عبثي اختلطت فيه الحياة والموت.

يُوظف الفيلم أسلوبًا وثائقيًا غير تقليدي، يمزج بين السرد الشفهي والشهادات الحية ولقطات واقعية من الحرب، لتتحول قصة “الحمار” إلى استعارة لواقع الفلسطينيين أنفسهم، العالقين بين نيران الاحتلال وسخرية المصير.

اللغة البصرية تحمل طابعًا ساخرًا ساخطًا، تجعل من الحيوان البسيط رمزًا لبطولة غير متوقعة، ومن الحكاية المحلية حدثًا كونيًا يفضح برودة الضمير العالمي. يطرح الفيلم تساؤلات مؤلمة حول حدود التوثيق، وقوة التفاصيل الصغيرة في كشف فداحة المجازر.

في أحد أكثر مشاهده تأثيرًا، يروي الفيلم قصة عائلتين تقاسمتا البقوليات والمعلّبات مع حماريهما، حيث مرض أحد الحمير (أنثى)، فلجأت العائلة إلى الأعشاب ثم تلاوة القرآن تضرعًا لله، لكن المحاولات باءت بالفشل، وماتت الأتان،  فظل الحمار الآخر هزيلًا، ينوء بثقل الفقد، مشهد يفيض بالإنسانية، ويجسّد ذلك التلاحم العاطفي بين الإنسان والحيوان وسط ظروف الإبادة الجماعية، وقد بدأت الفكرة  لدى الهباش منذ عام 2020، حين قرأ خبرًا عن منع الاحتلال إدخال الحمير إلى غزة، لا لشيء سوى لأنها تعين الغزيين في الزراعة والحياة اليومية تحت الحصار، ومن هنا ولدت فكرة “مهرجان الحمير”، التي بدت ساخرة في ظاهرها، لكنها تخفي احتجاجًا مريرًا على صمت العالم.

أُقيم المهرجان –في إطار الفيلم– تحت عنوان “مهرجان صديق الطريق الدولي”، وسارت الحمير وأصحابها على “السجادة الحمراء” في مشهد رمزي ساخر، ينتقد رؤساء ومشاهير تخلّوا عن غزة.

يقول المخرج : “الحمار الذي ساند الناس في المحنة، هو من يستحق التكريم، لا من تخلّى عنهم.”

الفيلم لا يُقدَّم كمجرد وثيقة سياسية، بل كأداة مقاومة رمزية. ففي ظل الانهيار الأخلاقي والتطبيع والتواطؤ، يختار الهباش أن يكرّم “الحمار” –الحيوان الصامت الصامد– الذي واصل جر عربته وسط القصف، وأعان المصابين والجوعى، وصمد حين فرّ كثير من بني جلدته من العرب، ممن اكتفوا بالمشاهدة والخطابات.

هذه المقارنة الحادة لا تُقال صراحة، بل تُفهم من خلال البناء الرمزي الذكي الذي حمله سيناريو مصطفى النبيه، بنَفَسه العميق، حيث تتداخل السخرية بالمأساة، والتاريخ بالحاضر، والعبث بالمقاومة.

“حمار 7 أكتوبر” ليس عن “ضحية غير بشرية”، بل عن بطل غير متوقّع، يُدين الاحتلال بسخرية مُرّة، ويحوّل الرمزية إلى سلاح فني مقاوم، يلامس الضمير حين تصمت السياسة.

المصدر : العربي الجديد + الصحفي

Exit mobile version