قمة إسطنبول الثلاثية…تحالف تركي–إيطالي–ليبي شرق المتوسط

احتضنت مدينة إسطنبول التركية يوم الجمعة 1 أوت 2025 لقاءً ثلاثيًا جمع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، في قصر دولما بهجة المطل على مضيق البوسفور. الاجتماع، الذي عُقد في ظل توترات إقليمية وتحديات أمنية واقتصادية متصاعدة، يهدف إلى تعزيز التنسيق بين الدول الثلاث في ملفات الهجرة والطاقة والاستقرار السياسي في ليبيا.

شكّل ملف الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط المحور الأبرز في القمة. إذ تسعى إيطاليا منذ سنوات إلى تقليص تدفق المهاجرين القادمين من السواحل الليبية، وهي ترى في تركيا شريكًا مؤثرًا بالنظر إلى خبرتها في إدارة هذا الملف والتنسيق مع أوروبا.

رئيسة الحكومة الإيطالية عبّرت عن “رضاها التام عن نتائج التعاون الثنائي مع تركيا”، ودعت إلى نقل تجربة التنسيق التركي–الإيطالي إلى ليبيا، ضمن مسعى أوروبي أوسع لإعادة تنظيم ملف الهجرة من دول المصدر والعبور. أما الرئيس التركي، فقد أكد أن “معالجة هذه الأزمة لا يمكن أن تكون عبر الحلول الظرفية، بل عبر رؤية مستدامة تنطلق من دعم استقرار الدول المعنية”.

اللقاء لم يكن محصورًا بالشأن الإنساني فحسب، بل تعداه إلى بحث ملفات استراتيجية أخرى، على رأسها الطاقة والدفاع. تركيا التي وقعت اتفاقًا بحريًا مع حكومة الوفاق الليبية عام 2019، ما تزال تسعى لترسيخ نفوذها في شرق المتوسط عبر شراكات اقتصادية وأمنية، رغم معارضة مصر واليونان لهذا الاتفاق.

كما تطرق القادة إلى مشاريع تعاون بين شركة Baykar التركية للصناعات الدفاعية ونظيرتها الإيطالية Leonardo، مع تقارير عن احتمال شراء تركيا لطائرات مقاتلة من طراز Eurofighter Typhoon، ضمن مسعى لتعزيز قدراتها الجوية.

من جهته، عبّر رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة عن دعمه لفكرة إنشاء إطار رباعي للتنسيق يشمل ليبيا، تركيا، إيطاليا وقطر، من أجل مواجهة التهريب وتجارة البشر في المنطقة. كما دعا إلى دعم أكبر لاستقرار بلاده سياسيًا وأمنيًا، في ظل استمرار الانقسام بين الشرق والغرب، وتعطّل المسار الانتخابي منذ سنوات.

اللقاء جاء في توقيت حساس، حيث تسعى القوى الدولية إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع الأطراف الليبية، وسط تنافس حاد بين تحالفات إقليمية متقاطعة. فبينما تحتفظ تركيا بعلاقات قوية مع حكومة طرابلس، تقترب في الوقت ذاته بحذر من شخصيات نافذة في الشرق الليبي، في محاولة لتحقيق توازن في النفوذ.

ورغم تأكيد الأطراف الثلاثة على أن اللقاء لا يستهدف أي طرف خارجي، إلا أن استبعاد دول مثل مصر واليونان من المشاورات قد يُقرأ على أنه رسالة ضمنية حول طبيعة التحالفات الجديدة في شرق المتوسط. الإعلام اليوناني وصف القمة بأنها “محاولة لإقصاء اللاعبين التقليديين”، في حين يرى مراقبون أن أنقرة تسعى لإعادة تشكيل توازنات المنطقة بالتعاون مع دول أوروبية ذات مصالح متقاطعة.

يُعبر هذا اللقاء الثلاثي عن مرحلة جديدة من التنسيق بين أنقرة وروما وطرابلس، وهو تنسيق تتداخل فيه أبعاد السيادة والهجرة والطاقة والنفوذ الإقليمي. لكن نجاح هذا التعاون يبقى رهينًا بمدى القدرة على تجاوز الخلافات الداخلية الليبية، وتجنب الوقوع في فخ الاصطفافات الجيوسياسية التي قد تعمق الانقسام بدل معالجته.

Exit mobile version