روبرتو مونيز محمود الأرجنتيني..مقاتل من قلب أمريكا اللاتينية في صفوف الثورة الجزائرية

نشر موقع الشعب تفاصيل قصة المواطن محمود، الذي واجه صعوبات متراكمة بعد تعرضه لحادث عمل قلب حياته رأسًا على عقب. تسلط القصة الضوء على المعاناة اليومية التي يعيشها مواطنون كُثر في ظل تأخر تعويضات الحوادث ونقص الرعاية الاجتماعية، مما يفتح مجددًا النقاش حول فعالية أنظمة الدعم والتكفل في الجزائر.

نجحت الثورة الجزائرية في كسب تعاطف شعوب العالم، بما في ذلك أفراد من بلد المستعمر نفسه، لما تمثله من عدالة وشرعية. من بين هؤلاء الداعمين، يبرز اسم “Roberto Muñiz” روبرتو مونيز محمود، المعروف بـ”محمود الأرجنتيني”، الذي قطع آلاف الكيلومترات من بلده الأم الأرجنتين ليكون جزءًا من معركة التحرير الوطني، ويعمل في ورشات تصنيع السلاح التابعة لجيش التحرير في المغرب، ثم اختار الجزائر وطنًا له بعد الاستقلال.

وُلد روبرتو مونيز في 17 جويلية 1923 في مقاطعة بيونس آيرس لعائلة فلاحية بسيطة. بعد دراسته في مدرسة الفنون والمهن، تخصص في صناعة قوالب المعادن، وهو ما سيؤهله لاحقًا لدور محوري في مصلحة الأسلحة التابعة لجيش التحرير الوطني. نشاطه النقابي في الأرجنتين جعله يطلع على القضية الجزائرية في منتصف خمسينيات القرن الماضي، فتبناها سياسيًا قبل أن ينخرط فيها ميدانيًا عام 1959.

وصل محمود إلى المغرب عبر أوروبا، وأقام في ثكنة تابعة لجيش التحرير قرب الرباط، حيث التحق بورشة سرية لتصنيع السلاح. ورغم صعوبات اللغة والبيئة الجديدة، سرعان ما اندمج مع زملائه من جنسيات مختلفة، بفضل القاموس الفرنسي–اليوناني وروح التضامن التي ميزت المجموعة.

يصف محمود ظروف العمل بالبدائية والمجهدة، لكن الانضباط والتفاني كانا سيدا الموقف. لم تكن الورشات فقط مصانع، بل فضاءات مقاومة ثقافية واجتماعية، حيث أقام العاملون مكتبة ومسرحًا وشاركوا في مباريات كرة قدم. ومع حلول رمضان 1960، صام محمود لأول مرة وشارك في أجواء رمضانية خاصة مزجت بين التقشف والفرح الجماعي.

من أقسى ما يتذكره محمود فقدان زملائه الشباب في حوادث أثناء تصنيع القنابل اليدوية، إذ قضى بعضهم وهو يحاول حماية الآخرين. كما تحدث عن صعوبة الحياة في أماكن العمل المحصنة، وعدم القدرة على التواصل مع العائلة بسبب الإجراءات الأمنية المشددة.

بحلول 1961، كانت الورشة قد أعدت قوالب تصنيع رشاشات تكفي لتسليح آلاف المقاتلين، في وقت كانت فيه الثورة بحاجة ماسة للسلاح. زارهم العقيد هواري بومدين، وتلقى منهم رشاشًا رمزيًا، تقديرًا لمجهودهم. حتى بعد وقف إطلاق النار، استمر العمل بوتيرته ذاتها، تحسبًا لأي طارئ من “منظمة الجيش السري الفرنسي” الإرهابية.

لم يكن محمود متفائلًا فحسب، بل كان على يقين من أن الجزائر ستنال استقلالها. وبعد إعلان وقف القتال، عاد رفاقه إلى الوطن وهم يهتفون “تحيا الجزائر”، بينما بقي هو لفك المعدات. حصل على تأشيرة وعبَر الحدود إلى الجزائر، حيث استُقبل رسميًا، ثم استقر بوهران قبل أن يُمنح الجنسية الجزائرية.

في الجزائر، التحق بشركة الكهرباء والغاز وساهم مع زوجته في إعادة بناء البلد. لم يكتف بالعمل فقط، بل شارك في النضال النقابي والأنشطة التوعوية حول تاريخ الثورة الجزائرية، حتى تقاعده. توفي في نوفمبر 2022، تاركًا وراءه سيرة مقاتل أممي، آمن بالحرية ووهب حياته لشعب لم يولد فيه، لكنه اختاره وطنًا.

Exit mobile version