في أول حوار له بعد الإفراج عنه، خصّ المناضل الأممي جورج عبد الله قناة الميادين بمقابلة مطولة من مسقط رأسه في القبيات، بعد أن قضى 41 عامًا في السجون الفرنسية. في هذا الحوار، أعاد عبد الله ربط قضيته بمسار النضال الفلسطيني، مؤكدًا أن حريته لم تكن منحة فرنسية، بل ثمرة تراكم نضالي داخلي وخارجي، وتجسيدًا لصمود لم ينكسر خلف القضبان.
جورج عبد الله أشار إلى أن خروجه من السجن لم يكن نتيجة تسوية قانونية، بل بسبب ارتفاع كلفة احتجازه على الدولة الفرنسية، خاصة في ظل الحراك المتصاعد تضامنًا مع غزة. ففي رأيه، لم يعد استمرار سجنه مصلحة للأمن الوطني، بل عبئًا، بعد أن تحول التضامن معه إلى فعل سياسي يربط بين نضاله وقضية فلسطين.
في استعادته لمسار محاكمته، أوضح عبد الله أن الحكم الأول صدر على خلفية مسألة جواز سفر، ثم تطور إلى اتهامه بالانتماء لفصائل لبنانية مسلحة، رغم أنه لم يُدان بأي عمل إرهابي. لكنه لم ينفِ قناعته بشرعية العمليات التي نُسبت للفصائل، معتبرًا أن الدفاع عن المقاومة حق لا يُنكر. التدخل الأميركي، بحسب روايته، كان حاسمًا في إبقائه قيد الاعتقال، بدءًا من تدخل مباشر سنة 1984، وصولًا إلى رسالة من هيلاري كلينتون عام 2012 تطلب فيها منع الإفراج عنه.
خلال محاكماته، رفض جورج عبد الله تقديم أي تنازل أمام القضاء الفرنسي. قالها بوضوح: “أنا لست نادمًا”، مضيفًا أنّ الأعمال التي دافع عنها “شرعية وضرورية”، رافضًا حتى كلمة “حرام” التي طُلبت منه رمزيًا كاعتراف، متمسكًا بخط نضالي لا يقبل التراجع.
عن مشروعه بعد التحرر، أوضح عبد الله أنّه لا يحمل خطة سياسية جاهزة، بل ينوي لقاء الفعاليات الوطنية والمقاومة في لبنان وفلسطين للاستماع والنقاش حول كيف يمكنه المساهمة. وهو يربط أي دور مستقبلي له بمشروع بناء الدولة، الجيش، مقاومة العدو الصهيوني، وضمان أمن المجتمع، دون شخصنة أو زعامة.
يشدد عبد الله على أن المقاومة ليست فقط أداة مواجهة، بل أيضًا ركيزة لبناء الدولة الوطنية. فبحسبه، ما يُراد للمنطقة هو تفكيكها إلى طوائف وأقليات تُدار خارجياً، فيما المقاومة تشكل القوة القادرة على صد هذا المشروع. ويرى أن مستقبل لبنان مرهون بوحدته السياسية وبجيشه الوطني القادر، مدعومًا من جمهور المقاومة.
حياته في السجن كانت مرتبة بدقة. يستيقظ صباحًا للرياضة، يقرأ رسائل داعميه، ثم ينتقل للكتب والمراسلات. يشير إلى أنّه كان على تواصل دائم مع الخارج، سواء من خلال الزيارات أو الهاتف الموضوع تحت المراقبة. خلف الجدران، لم يكن السكون سائدًا، بل تنظيم وقراءة وتأمل فكري ونضالي دائم.
في نظر جورج عبد الله، بناء جيش وطني مسلح هو أولوية لا تقل أهمية عن المقاومة. ويرى أن المقاومة مستعدة لدعم هذا الجيش، إذا ما توفر له التسليح والسيادة. كما رفض خطاب “نزع السلاح” باعتباره دعاية موجهة لتشويه المقاومة داخليًا وخارجيًا، داعيًا إلى وحدة الصف وبناء مؤسسة عسكرية تحظى بإجماع شعبي.