صبري صلاح SUB…موسيقى من القلب في زمن الضوضاء الرقمية

في زمن تتسارع فيه وتيرة الاستهلاك الموسيقي وتبهت فيه الفوارق بين الألحان، يبرز الفنان المصري صبري صلاح، المعروف باسمه الموسيقي المختصر “صبSUB”، كصوت يسعى لاستعادة مجد موسيقي لم يغب بعد. في حوار خاص مع موقع “الصحفي”، يستعرض الفنان والملحن مسارًا بدأ من الفنون التشكيلية، مرورًا بالخليج العربي، ليستقر في عمق القارة السمراء، متأملًا في هويته الجمالية وموقفه من مشهد موسيقي باتت فيه الصدفة تتفوق أحيانًا على الموهبة.

كيف يمكن أن تقدم نفسك للجمهور الجزائري والعربي عامةً ؟

إسمي صبري صلاح وإسمي الموسيقي المختصر هو (صبSUB) وهو المستخدم في كل حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي، في البداية أود من خلالكم أن أبعث كل التحية والمحبة للشعب الجزائري الأصيل الذي أكن له كل الحب بموسيقاه العبقرية التي اجتاحت دول العالم بتميزها وتفردها.
دراستي الأكاديمية كانت في مجال الفنون التشكيلية لكنني إحترفت المجال الموسيقي لتعلقي الشديد بيه من عمر ثلاث سنوات تقريبا، ولأن نشأتي كانت في مجتمع الخليج العربي، تأثرت تلقائيا بزخم وتنوع موسيقي وثقافي كبير جداً بكل أشكال الموسيقى العربية من المحيط للخليج، بالإضافة للموسيقى الهندية والغربية المنتشرة بشدة هناك، واكتمل تشكيل هويتي الموسيقية تقريبا بعد رجوعي للقارة السمراء.

في زمن الاستهلاك السريع للأغنية، أين تضع مشروعك الموسيقي؟

أود التوضيح أولا أن إسهامي الموسيقي الأساسي هو في مجال الميديا مثل الشارات الموسيقية والتترات والحملات الإعلانية وبعض المؤسسات الثقافية في بعض الدول العربية، أي أنني لا أساهم في صناعة الأغاني الخاصة بالمطربين، مع وجود عدد من التجارب الجديدة قيد التنفيذ لأني حريص جدا على تقديم شكل موسيقي مختلف، بالإضافة لعدد من الأغاني الخاصة التي سأقوم بأدائها بنفسي.
ولأن اهتمامي الأساسي هو بصناعة الموسيقى كألحان وتوزيع فإنني لا أتعجل مطلقا على خطوة تقديم نفسي كمطرب، الأولوية دائما وأبدا بالنسبة لي في تقديم موسيقى جديدة وعصرية وتحفز من يسمعها على تقدير موهبتي.

هل الذوق العام أو “الجمعي” في العالم العربي ينحدر فعلاً، أم أننا أمام تحوّل في المعايير واختلاف الأجيال؟

‏كنت أود لو أنني أستطيع استخدام ذلك الرد الدبلوماسي الروتيني في مثل هذه المواقف، ولكن الحقيقة أننا في مأزق كبير من ناحية الذوق العام وتغير كل معايير الحكم على العمل الفني وسط هذا الزخم المفروض إجبارا على المتلقي، ومع وجود كل هذه المنصات المختلفة لعرض ملايين الموسيقيين الجدد يوميا، ومع قدرتك الحالية على الاستماع لكل موسيقى العالم بضغطة زر وأنت في سريرك، فنحن أمام إجابة حتمية مختصرة جدا وهي : (المعروض أكثر من المطلوب)

هل فعلاً نعاني اليوم من نقص في الإبداع كما يرى بعض المختصين؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فما هي من وجهة نظرك الأسباب المحتملة وراء ذلك؟

‏الإبداع في كل مجالات الفنون شيء حتمي وموجود ما دام الإنسان موجودا وحتى آخر يوم في الأرض، ولكنه يشهد نسبة تراجع غير مسبوقة لأسباب عديدة قد اختصرتها في ذهني في جملة واحدة وهي أن (النجاح أصبح صدفة وليس اجتهاداً)، فعندما يشاهد أي مبدع الأعمال الفنية التي تلقى رواجاً ونجاحاً كبيرا من حوله تخلوا من كل معايير الجودة والإبداع، وإنما قد نجحت لأسباب أخرى بعيدة تماما عن كونها عملا فنيا، سيؤدي هذا لأن يجد المبدع نفسه محبطا وغير متحمس لأي مجهود إبداعي، بل سيذهب إلى التقليد أو الاقتباس أو السرقة علناً أو إعادة صياغة أي نجاح قديم بشكل مختلف. وبالطبع في مثل هذا المناخ العبثي سيصبح الإبداع بعيدا كل البعد عن عقل أغلب المبدعين وستلجأ أفكارهم فورا لتحقيق أي نجاح ملموس حتى لو كان مزيفا أو تافها. هذا ما يفرضه الواقع عبر كل وسائل التواصل الاجتماعي بمنتهى الوضوح أمام أعيننا.

أعمالك تحمل ملامح متعددة الهوية: عربية، متوسطية، عالمية… كيف تتعامل مع هذا التنوع دون الوقوع في فخ التكرار أو الضياع الأسلوبي؟

‏كما ذكرت سابقا فإن نشأتي في مجتمع الخليج العربي قد وضعتني في تربة خصبة للتنوع الثقافي والموسيقي، فبين جدران الفصل الدراسي الواحد كان من الممكن أن أجتمع مع زملاء من حوالي 15 جنسية مختلفة، وهذا بشكل بديهي يجعلك مطلع على تنوع كبير للثقافات وهو شيء غريب وغير نمطي، وبرغم أنني ظننت أن هذا التنوع قد يسبب تشويشا على ثقافتي الموسيقية إلى أنني حينما كبرت وجدت لهذا بالغ الأثر في إلمامي بالعديد من الأشكال الموسيقية، بل وقد أسهم هذا التنوع في تميزي بين زملائي الموسيقيين واتساع مداركي الموسيقية، وأنا الآن ممنون جدا لهذا الظرف الاستثنائي الذي نشأت فيه خاصة قبل عالم الإنترنت واطلاع كل شعوب العالم على ثقافة بعضها البعض بكل سهولة.

ما هي نصيحتك لأي مطرب يريد أن يوازن بين النجاح التجاري والذوق الفني؟

‏التوازن يأتي دائما من أنك تفعل ما تحب بنسبة 100% هذا هو الضمان الوحيد، أن تكون الموسيقى نابعة من قلبك، لأن ما يخرج من القلب يصل لقلوب الجماهير فورا، وإن كنت تقصد بمصطلح (النجاح التجاري) هو مواكبة الأساليب الموسيقية الرائجة فقط من أجل ضمان شريحة عريضة من الجمهور، فهذا أيضا أمر لا عيب فيه، لأن النجاح التجاري سيساعد إعلاميا وماديا وجماهيريا في إطالة عمرك الفني، فقط كن حريصا أن تكون هذه المواكبة في أمور سطحية أو تسويقيه، وأن لا تؤثر على وجود محتوى موسيقي وإبداعي تفخر به ويعلي من مكانتك الفنية.

هل ترى أن صانع المحتوى اليوم يلعب دورًا ثقافيًا يعوّض نقص التغطية الإعلامية الرسمية؟

دعني أعلنها لك بكل صراحة وشفافية، أصبحت أكره هذا المصطلح بشده (صانع محتوى) وأعتقد أيضاً أن العديد من الناس يشاركونني هذا الرأي، فإذا أمعنت النظر الآن في هؤلاء الذين يطلق عليهم صناع محتوى ستجد أن 90% منهم لا يملكون قيمة حقيقية أو خبرة معينة في أي شيء بالحياة، وستتعجب كثيرا من الأرقام المليونية للمتابعين والمشاهدات وتسجيلات الإعجاب.
موازين الحكم على السوشيال ميديا التي تصنع من التافهين أبطالا خارقين لا يمكن الاعتماد عليها أبدا، خاصة وأنها تسببت في إخفاء أصحاب القيمة والموهبة والمحتوى الحقيقي أكثر فأكثر.
‏لذلك لا غنى أبدا عن دور المؤسسات الإعلامية والإنتاجية المحترفة في صناعة محتوى حقيقي مبني على خبرات أصحاب معرفة وإبداع حقيقيين، لم تصنعهم بعض الأرقام الغير منضبطة على الأونلاين.

Exit mobile version