أعلنت روسيا رسميًا أنها لم تعد ملتزمة بالقيود الذاتية التي كانت تمنعها من نشر الصواريخ البرية متوسطة وقصيرة المدى، وهو قرار يعيد رسم معالم التوازن العسكري، خاصة بعد انهيار معاهدة القوى النووية المتوسطة (INF) عام 2019.
ويأتي هذا الإعلان في ظل ما تعتبره موسكو تجاهلًا مستمرًا من الغرب لتحذيراتها السابقة، حيث تتهم الولايات المتحدة وشركاءها في حلف الناتو باتخاذ خطوات فعلية لنشر أنظمة صاروخية مماثلة في مناطق متاخمة للأراضي الروسية، بما في ذلك أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
من بين أبرز هذه الخطوات، سجلت روسيا تدريبات عسكرية في الدنمارك باستخدام منصات إطلاق من طراز Mk70، إضافة إلى نقل نظام “تايفون” الصاروخي إلى الفلبين وأستراليا في إطار مناورات متعددة الجنسيات. كما تم الإعلان عن خطط لنشر أنظمة “تايفون” و”دارك إيغل” الأمريكية في ألمانيا اعتبارًا من 2026، مما يعزز الانطباع الروسي بأن هذه المنظومات ستبقى لفترة طويلة وربما دائمة.
و في لبيان صادر امنس 4 أوت عن الخارجية الروسية جاء بلغة تصعيدية حادة، محذرًا من “تهديد مباشر للأمن الاستراتيجي الروسي”، ومشيرًا إلى أن تراكم هذه القدرات الصاروخية في محيطها الجغرافي يمثل تطورًا خطيرًا يحمل تبعات سلبية على الأمن الإقليمي والعالمي، خصوصًا في ظل التوترات القائمة بين القوى النووية.
وفي السياق ذاته، علّق ديمتري مدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، على القرار قائلاً إن ما جرى هو نتيجة مباشرة لسياسات الناتو “المعادية”، مضيفًا: “هذا واقع جديد ويجب على خصومنا استيعابه”، قبل أن يختم بتحذير واضح: “توقّعوا خطوات أخرى”.
وترى موسكو أن أمنها الاستراتيجي بات مرتبطًا بشكل مباشر بالمسرحين الأوروبي والآسيوي، وأن الرد الروسي سيُحدد بناءً على تقييم مشترك بين الوكالات المتخصصة، ما يفتح الباب أمام تحركات عسكرية محتملة في مناطق مثل كالينينغراد أو القطب الشمالي، وربما حتى سوريا أو القوقاز.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد منخ روسيا مهلة حتى الجمعة 8 أوت 2025 للتوصل إلى اتفاق هدنة مع أوكرانيا، أو مواجهة عقوبات اقتصادية غير مسبوقة. وتشمل التهديدات فرض رسوم جمركية على صادرات النفط الروسي، وحتى على الدول المستوردة له مثل الصين والهند. وترافق هذا الإنذار مع إعادة تموضع غواصتين نوويتين أميركيتين قرب مناطق استراتيجية، في رسالة ردع مباشرة. وبحسب مراقبين، فإن هذه المهلة تمثل اختبارًا حرجًا لموسكو، وسط مؤشرات على احتمال مزيد من التصعيد إذا لم تظهر روسيا تجاوبًا ملموسًا قبل انقضاء المهلة.
و للاشارة معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى (INF) “Intermediate-Range Nuclear Forces Treaty” وُقعت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي عام 1987، بهدف إزالة فئة كاملة من الصواريخ البرية التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر، سواء كانت نووية أو تقليدية. المعاهدة أدّت إلى تدمير نحو 2700 صاروخ من الجانبين، وساهمت بشكل كبير في تخفيف التوتر النووي في أوروبا خلال أواخر الحرب الباردة، وكانت تُعد من أنجح نماذج الحد من التسلح في القرن العشرين.
و في أوت 2019، انسحبت الولايات المتحدة رسميًا من معاهدة INF، متهمة روسيا بانتهاكها عبر تطوير صاروخ (9M729) يتجاوز المدى المسموح. موسكو نفت الاتهامات واعتبرت أن واشنطن تبحث عن ذريعة لسباق تسلح جديد. وبانهيار المعاهدة، لم يعد هناك أي اتفاق دولي يقيّد نشر الصواريخ البرية متوسطة وقصيرة المدى، مما فتح الباب واسعًا أمام عودة التوترات والصراعات الاستراتيجية، خصوصًا في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
المصدر: RT + الصحفي