قبل سنوات قليلة، كان الحديث عن سرعات إنترنت تتجاوز الميغابتات القليلة في الجزائر أشبه بأمنية بعيدة المنال. لكن دخول تقنية الألياف البصرية حتى المنزل (Fiber to the Home – FTTH) قلب المعادلة رأسًا على عقب، وأحدث نقلة نوعية في تجربة المستخدم والخدمات الرقمية.
هذا و تعتمد FTTH على استخدام كابلات من الألياف الزجاجية فائقة النقاء لنقل البيانات عبر إشارات ضوئية، بدل الإشارات الكهربائية التي يستخدمها السلك النحاسي. هذه الإشارات الضوئية تتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء، مما يقلل زمن الاستجابة (Latency) ويزيد من سرعة نقل البيانات بشكل هائل.
و مع إطلاق الجزائر بداية شهر أوت 2025 لعروض الFTTH الجديدة ، وصلت السرعة القصوى التجارية إلى (1.5 جيغابت/ثانية)، وهو رقم يضع البلاد في صدارة القارة الإفريقية من حيث الإنترنت الثابت بالألياف البصرية. هذه السرعات تتيح تحميل ملفات ضخمة في ثوانٍ، مشاهدة البث عالي الدقة بدون انقطاع، وخوض الألعاب الإلكترونية بأدنى زمن استجابة (Latency).
و بفضل العروض الأخيرة التي أطلقتها مؤسسة اتصالات الجزائر تحت تسمية “Idoom Fibre”، والتي تقدر سرعتها القصوى للإنترنت الثابت (1.5 جيغابت/ثانية)، وهو ما يمنح البلاد مركزًا رياديًا على مستوى القارة. هذا التفوق وضع الجزائر أمام دول كانت تعتبر مرجعًا في الألياف البصرية، على غرار جنوب إفريقيا، التي تقدم شركاتها (Vumatel وRain وOpenserve) سرعات بين 1 و2 جيغابت/ثانية، لكن دون تعميم تجاري شامل، وكذلك المغرب الذي أطلقت شركة Maroc Telecom فيه عروضًا تصل إلى 1 جيغابت/ثانية، إضافة إلى مصر وكينيا بسرعات مماثلة لكنها ما تزال محدودة النطاق أو تجريبية.
وتظهر بيانات منصات متخصصة مثل MEA Tech Watch وGSMA أن هذا التحول الجزائري يعكس دخول مرحلة جديدة من التطوير الرقمي، مدفوعةً باستثمارات متزايدة في البنية التحتية، بما يعزز من جودة الخدمة الرقمية ويواكب الاستخدامات الحديثة في مجالات البث عالي الدقة، الألعاب الإلكترونية، وتنزيل الملفات الكبيرة.
هذه النقلة ليست تقنية فقط، بل لها أبعاد اقتصادية واضحة. فالسرعات العالية تدعم الأعمال الناشئة، التجارة الإلكترونية، التعليم عن بُعد، والخدمات السحابية، ما يساهم في تسريع التحول الرقمي وتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة.
اللافت أن هذه القفزة تأتي بعد أكثر من عقد على تصنيف الجزائر في مراتب متأخرة جدًا عالميًا. ففي النصف الأول من عام 2012، وضعت دراسة لمؤسسة “نت إنديكس” البلاد في المرتبة 175 عالميًا (من أصل أكثر من 190 دولة) بسرعة لم تتجاوز 0.97 ميغابيت/ثانية، والمرتبة 19 إفريقيًا، متقدمة فقط على زامبيا والسودان.
رغم القفزة، ما يزال تعميم الألياف البصرية في كامل التراب الوطني تحديًا، خاصة في المناطق الداخلية والنائية. كما تبقى مسألة الأسعار وإمكانية الوصول للجميع من العوامل التي ستحدد مدى استمرار هذا التفوق.
تقنية FTTH لم تُحسّن الإنترنت في الجزائر فحسب، بل غيّرت طريقة استخدامه وأعادت رسم حدود الممكن في المجال الرقمي. إنها خطوة استراتيجية نحو جعل البلاد مركزًا رقميًا إقليميًا، إذا ما تواصل الاستثمار والتوسّع الجغرافي.
للاشارة كانت الجزائر قد اعلنت عن رفع سعة تدفق الانترنت الدولي, ليصل 9.8 تيرابيت في الثانية. وافادت اتصالات الجزائر انه تم “رفع جديد للسعة المجهزة للشبكة الدولية للاتصالات لبلادنا، لتصل إلى 9.8 تيرابيت/ثا، بعد أن كانت تقدر بـ 7.8 تيرابيت/ثا سنة 2022 و 2.8 تيرابيت/ثا سنة 2021 و 1.5 تيرابيت/ثا في بداية سنة 2020”.


















